القرصان التائب!

يا سامعين لآهاتي ألا اعتبروا

كم أصلحتْ أمماً في غيّها العِبَرُ

والاعتبارُ يزيد النفس تبصرة

تفوق ما تدرك العيونُ والبصر

وإنما يُدرك الذكرى المُريدُ لها

مَن ليس في قلبه لؤمٌ ولا دَبَر

والاتعاظ حريٌ أن يُغيّرنا

فلا يجندلنا كيدٌ ولا مَكَر

وكل نفس لها – في الذكْر – منطقها

وكل موعظةٍ فضلى لها أثر

وكل قلب له ساعاتُ تذكرةٍ

تشجيه إذ يرعوي لها ، ويزدجر

وكل عاطفةٍ لها تأرجحُها

بين الزواجر منها المرءُ يدّكر

وكم تريد قوىً – بالعبد – تشفية

فإذ به – في الوغى – يقوى وينتصر

وكم تريد شقاء العبد شرذمة

فإذ به يدرك الحُسنى ، ويبتشر

وكم يريد فتىً إدراكَ مَأمَلِه

وسعيُه – بين كل الناس – معتبر

لكنه لم ينل – بالسعي – خردلة

من الأمانيّ فيها غرّد الوطر

وكنتُ عبداً من العبيد غايته

إذلال قوم لهم – في عيشنا – نظر

وسحْلُ قوم بلا جُرْم يُجَرّمُهم

وضربُ قوم على قرآنهم سهروا

وصعقُ ناس بأسلاكٍ مُكهربة

بنهمةٍ لم تكن تبقي ولا تذر

وقذفُ صِيدٍ كِرام دون مرحمةٍ

وقاذفُ الصِيد – بين الناس – يُحتقر

وسَبّ قوم بألوان السباب ، نبا

عنها الشريفُ به في الخلق يُفتخر

ولعنُ أهل التقى لعناً يبوء به

مَن كان يلعنهم ، والأمرُ مشتهر

وركْل قوم طوتْ إباءَهم قدمي

كأنني برِدا فرعونَ أأتزر

ودُرتُ في فلك التعذيب معتقداً

أني أحقق مجداً كله ظفر

ولم أناقشْ ، ولم أنصِتْ لموعظةٍ

وما تأثرتُ لمّا جاءتِ النذر

وما اتعظتُ بما عاينتُ من عِبر

كأن قلبيَ – من إلف البلا – حجر

ولم أراجع ضميراً مات واعظه

وإن أكنْ عشتُ أمراً فيه مُزدجر

وما انتصتُّ لآهاتِ الألى غلِبوا

وما استمعتُ لأقوال الألى قهروا

وما انتصحتُ بأفكار الألى نصحوا

وما تفكّرتُ في رأي الألى ذكروا

حتى أخِذتُ بما ادّعاه مبتئسٌ

يُزجي التضرّع لمّا مسَّه الضرر

وبات يدعو مليك الناس يسأله

تفريج همِّ عليه الرب مقتدر

وكم ألحّ على الجبّار مبتهلاً

بدمع عين – على الخدين – ينهمر

يقول: رب انتصرْ ، فقد غلِبتُ هنا

وإن قلبي – من الآلام – يعتصر

عجزتُ إذ أحكموا عليّ قبضتهم

وغرّهم أنهم عليّ قد قدروا

وأوثقوني بأصفادٍ أضيقُ بها

ذرعاً ، ونفسي من التضييق تستعر

واستضعفوني ، وصبوا سوط نِقمتهم

كأنهم بعدو مُجرم ظفِروا

فقلتُ: هذا البرئ الشهم سربلني

وهزني صوته ، ورجّني الحذر

فجئته أسفاً أبكي على جُرُمي

وأطلبُ الصفحَ مُلتاعاً ، وأعتذر

فخاف مِن جيئتي ، والصمت ساورهُ

كيلا يذوق أذىً ، إذِ الدعا خطر

فقلتُ: أبشرْ ، وأخبرْ دون حشرجةٍ

لعل كسْرك – يا مسكين – ينجبر

زدني من الشعر بيتاً أستنيرُ به

لعل نفسي بما تقولُ تنزجر

عهداً أعيدُ حقوقاً كنتُ غاصبَها

وسوف أبدي الذي قد كان يستتر

فلم يُعرْني انتباهاً في مجادلتي

وحال دون الذي إليه أفتقر

هنا التمستُ له الأعذار ما خطرتْ

له ببال ، ولا أراه يفتكر

ولم تخني تجاريبي ولا نظري

إن الأسارى سيشكون الألى أسروا

والأمر أكبر من سجن ومحكمةٍ

وسوف يندم من جاروا ومن فجروا

هي الموازينُ ، والديان واضعُها

ولا معاذير يُزجيها الألى غدروا

أملانيَ الله حتى خِفتُ أخذته

واليومَ تبتُ ، فلا ظلمٌ ولا بطر

أعلنتُ توبي وتبييني بلا فرق

وسوف أفضحُ مَن ضلوا ومَن كفروا

مَن عذبوا خيرة العُبَّاد في شُبَهٍ

حتى قضى بعضهم ، والبعضُ ينتظر

مَن لفقوا تُهماً يندى الجبينُ لها

وسوف أكشف من غابوا ومن حضروا

مَن أخروا الدار عن عز يُتوّجُها

بين الخلائق منه الناس تنبهر

مَن أشمتوا زمر العادين في زمن

تغتالنا زمرٌ ، وتفتري أخر

مَن سلموا للعِدا الأصقاعَ هيّنة

في ساح مؤتمر يتلوه مؤتمر

مَن أشبعونا شعاراتٍ منمقة

يَزينها الوَشْيُ – نصبَ العين – والحِبَر

مَن هددونا ، وجدّوا في نِكايتهم

ومَن كبيرُهُمُ – في الأرض – يتجر

مَن يسرقون ، ويُرمى مَن يحاسبُهم

في السجن – عن رغم – وبعدُ يُحتقر

مَن يكذبون ، وغِرٌ من يصدقهم؟

وعن كذوب تُرى هل يُنقل الخبر؟

مَن ينهبون خيور الشعب دون حيا

فلا المغول تُباريهم ولا التتر

مَن يقتلون كِرام الناس تشفية

هل مِثلُ ذلك – عند الله – يُغتفر؟

مَن يسلبون حقوق الخلق قاطبة

وكل جمْع له – في سلبه – صور

مَن يعملون لأعداءٍ بهم فتنوا

فالنهيُ نهيُهُمُ ، والأمر ما أمروا

من يأخذون الرعايا نحو هاويةٍ

يكاد بركانها – في الكل – ينفجر

مَن يحبسون – بأمر الطغمة – العُلما

والأبرياءُ – على مُر البلا – صبروا

مَن يشربون دماء الصيد تحسبهم

كالوحش حاز مناه النابُ والظفر

مَن يدّعون التقى في كل ما زعموا

يُخادعون ألا خابوا ألا خسِروا

مَن يمكرون بنا ، فالمكرُ طابعهم

والمكرُ أدنسُ شيء جاءه البشر

مَن يغرسون بذور الشر في وطن

تغتاله النائبات الهُوجُ والغِيَر

أقسمتُ أني هنا لفضح باطلهم

وسوف أكشف أسراراً همُ ستروا

وسوف أجعلُ منهم عِبرة مثلتْ

أمام عينيْ فتىً – بالحق – يأتمر

وسوف أذكر ما شادوه مِن كذب

ومِن بياني الذي أنويه لا وزر

أمانة تلك – في الأعناق – نبذلها

وعند رب الورى الأثمانُ والأجَر

ما قيمة العيش إما الفاسدون عَلوْا

واستعبدوا الناس ثم الثروة احتكروا؟

ما قيمة العيش إما عربدتْ فئة

لها القصورُ ، وللرعية الحفر؟

ما العيشُ إن سادتِ الفوضى مدائننا

والحكمُ فاز به الجهّالُ والغجر؟

ما العيش إن حبس الدهقان صفوتنا؟

وكيف صُدّق هذا الكاذبُ الأشِر؟

رمز العمالة والتدجيل في ملأ

طغى عليه الهوى والجُبنُ والخوَر

يُضفي عليه مهاباتٍ مزيّفة

كأنه للأنام الشمسُ والقمر

وكال من زبَدِ الأمداح أعذبها

فصدّق الغِر ما قال الألى هذروا

وزخرفوا الوصف بُهتاناً وتصدية

والإفكُ صاحَبَه الترجيعُ والسمَر

فالبعضُ قال: نبياً حان موعدُه

وجاء تسبقه الرايات والبُشر

والبعض قال: يحج البيت عن رغب

وقبل ذلك يدعو ثم يعتمر

يا قوم تبتُ ، وعهداً لن أهادنكم

ولن يؤرقني في حربكم ضجر

وكل غيثٍ له قطرٌ بأوله

وبعده الغيثُ يغشاكم وينهمر

للهم هبنيَ – في الهيجا – مُجالدة

ومَن سِواك – على الأعداء – مُقتدر؟

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات