العفيفة و ذئيب.

عن عاتكة بنت سويد اليمنية, في ايام ما قبل الهجرة من عام الغدر, اين نهب فيه بنو يربوع ما انفذه بعض ملوك حمير الى الكعبة من كسوة, اذ اشتهرت العرب حينها بالنسيىء, و هي طريقة لتحايل على عدد ايام الاشهر الحرم, فاذا ارادوا تفادي القتال و الاغارة, بدلوا في حسابهم ما يوافق اهواءهم و تطلعاتهم.

دبت الشحناء بين القرشيين واهل اليمن في مناطق النفوذ و السيطرة على الطرق التجارية, و توالت الحروب بين القومين لعقود كبيرة, و كانت ارواح الفرسان من خيرة  الشباب تزهق سدا لاتفه الاسباب. و قد رزقت عاتكة بتسع ذكور من ملك القوم, لم يسلم منهم الا صغيرهم المكنى بذئيب, فتفطر قلب المراة و حزنت حزنا شديدا لفراق اولادها و ما حل بها من مصاب جلل.

و اذا بطبول الحرب تقرع مجددا,و تهيىء ابطال الزمان لخوض غمارها, فتجهز ذئيب لهذه الحرب, ركب خيله و ودع امه المسكينة, توسلته ان يمتنع عن الذهاب لكيلا يتركها وحيدة, و انه لو حصل له مكروه بالمعركة لن توانى عن انهاء حياتها فلا عيش لها بعده.ما كان من الفتى الا ان اخبر الملك بنية امه و انها ستقدم على فعلتها ان فقد حياته بالحرب, فما كان من الملك الا طلب الهدنة و استعمال النسيء لتمديد الفترة و النظر في المسالة بروية وحذر.

عاد ذئيب لامه و اخبرها بقرار الملك و ان الحرب قد تاجلت و هو ماكث معها لبعد حين, ففرحت المراة بعد ان كادت تفقد الامل في بقاء ابنها الوحيد معها. و من شدة الفرحة, طلبت له عروسا و اقامت الوليمة حظر فيها القريب و البعيد, و صارت تتحاكى بها القبائل لسنين عديدة ليومنا هذا, و يعود ذلك ان العروس الملقبة بالعفيفة و قصتها من اروع ما حكت العرب, انها قد امتنعت عن ابن عمها البراق بن روحان, و فضلت الانصياع لقرار ابوها الذي زوجها لابن احد ملوك اليمن و هو ذئيب  ابن عاتكة بعينه. فما قولك في هذا الحديث.

فاقول لها ان رغم ان النسيء قد حرم في حجة الوداع في قوله تعلى- انما النسىء زيادة…لا يهدي القوم الكافرين- الاية 37 سورة التوبة, فما كان قدر الفتى الا ان يحضى بالعفيفة.

Recommended1 إعجاب واحدنشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات