الظلم ظلمات يوم القيامة!

عينانِ باكيةٌ ، وأخرى ترقُبُ

وحقوقُ مظلوم تُبادُ وتُغصبُ

ويدان: واحدة تكفكفُ عَبرة

ويدٌ بأسياف الأقارب تُضرب

والوجنتان: فوجنةٌ تشكو اللظى

والوجنة الأخرى تُشجُّ وتُسلب

حتى الجبينُ عليه من فرط الأسى

غُصَصٌ تموجُ ، وحيرةٌ تتقلب

وفؤادُ مبتئس يغالبه الجوى

ومشاعرٌ بدموعها تتخضَّب

وعواطفٌ تبكي رجوع حقوقها

ومطامحٌ آمالها تترقب

حتى الأحاسيس استكانت للعنا

وتجمّد الدمُ في عروق تندب

والقلب دَفتْ بالشقا نبضاته

فغدا – على أشواقه – يتلهب

والأمسياتُ تمُرّ عاصفة الضنا

حتى الليالي أزهنّ الغَيهب

والنفسُ دامعة ترجّع ندْبها

وتصوغه شعراً جناها يَخطب

وضميرُ مظلوم يُصارع مَن طغى

والشمسُ – من كبد – الفجيعة تَغرب

والحق يخنقه التجني عامداً

وحقيقة المظلوم – جهراً – تُسكب

ونحيبُ أسئلة يُصارعُ لُبه

ولهُ بمحنته زئيرٌ يُرعب

ونشيج أحوال تُبارز عزمه

فيئنّ – تحت حُسامها – يتعذب

والفجرُ مبتئساً يمُج بزوغه

والحزنُ – خلف الليل – داجٍ يَرقب

والنور تحت الكرب يذبحُه الدجى

ويسوق مُديته الفناءُ ويشرب

وأسيرُ أهواءٍ تذرّع بالحيا

ويُشعُّ من عينيه بَرقٌ خُلب

ومُغلبٌ ما يفتريه تشفياً

وتراه – إن عجز الورى – يستكلب

عارٌ عليه الصدقُ عند شهادةٍ

وهو الذي في كل أمر يَكذب

ويرى حراماً أن يُرى متعففاً

وتراه – دون هوادةٍ – يتذأب

أواه من هذا المصير وهوله

والظلم يخفض من علا ويُخيب

والقهرُ يسحق بالسنابك بأسه

وجراحُ هذا البأس ليست تُشعب

وتُديلُ دولتها عليه معيشةٌ

يسخو – بما تحويه – دهرٌ صَيب

وتمُر في صلف متاهاتُ الأذى

وعشيرُ صاحبنا يتيه ويلعب

يا أيها المظلوم ، هذي جولةٌ

ولها أوانٌ للرحيل ومذهب

يوماً ستنتحر الدغاول كلها

ويعود حق كان – قسراً – يُنهب

يوماً سيَنحر كلَ فرعون طغى

وبغى حسامٌ في النزال مُذرب

وتُرى دماءُ المجرمين على الثرى

مِن كل فجِّ دفقُها يتحلب

فكما لباطلهم رجالٌ في الوغى

فلِحَقنا صِيدٌ رُبوضٌ وُثبُ

وكما لباطلهم جميعٌ في المضا

فجنودُنا – في الملتقى – تتكوكب

وإذا لظلمهمُ تجبرُ أخذةٍ

فلَأخذ فيلقِنا أشدّ وأصلب

وإذا تفاخر ظالمٌ بعتاده

ومضى يُرجّع بالكلام ، ويخطُب

واغتر بالدنيا وبأسِ عشيره

أو غرّه – بين الأنام – المنصب

وتحققتْ للغِر كل ميوله

وأتاه طوعاً كلُّ شيء يَرغب

وله الفوارس – خاب – طوعُ بنانه

وله حسامٌ في اللقاء مُشطب

واستعذب المطعوم من مغصوبه

فرحاً ، وطاب لناظريه المَشرب

فله – وربِّ الناس – يومٌ فاصلٌ

يومٌ لما اقترفَ الظلومُ عصبصب

وعليه سوف تضيق أرضُ مليكنا

ويُعَز فيها المتلقى والمَقرب

ويذوق مما كال منه لغيره

فالسوط مُرتصِدٌ ، وبعدُ المِشجب

وتشقّ حفرته التي يُرمى بها

وبكل بارقةِ القضيض سيُحصب

وسيُحرم الخيراتِ ، كم حِيزتْ له

كيلا يكون له بخير مأرب

ويُدكُ صرحُ غرورهِ وشرورهِ

ويُنال قصرُ علوه ، ويُخرّب

وتزولُ حاشيةٌ تزخرف ظلمهُ

هو أفعوانٌ ، والبطانة أذؤب

يا أيها المظلوم: هذي سُنة

مَن كان يطغى – في الورى – فسيُغلـب

وكلامُ ربك – في القران – مفصلٌ

وكلامُ (أحمدَ) – في الدياجي – كوكب

من أن عُقبى الظالمين مريرةٌ

ولهم – برغم الأنف – يومٌ أشهب

ونهايةُ المتجبرين وشيكةٌ

في غمضة للعين ، أو هي أقرب

يا أيها المظلومُ: أبشرْ واصطبرْ

فالنصرُ قد يحنو عليك ويحدب

لا تبتئسْ أن الفراعن أمهلوا

فلسوف يندحر العتو ويذهب

وترى بريقَ النور يخترقُ الدجى

ويعود صحبٌ بانتصارك غُيب

ويعم نصرُ الله كل مضيّق

وترى الطواغي في الجنادل كُبكبوا

ويُنوّر الأصقاعَ نورُ عدالةٍ

حقاً كما ضاءتْ بأحمدَ يَثرب

فادعُ المليك بدمعةٍ ملتاعةٍ

إن الدعاء – مع البُكاء – ليَعْذب

وتمَنّ نصراً للحنيفة عاجلاً

وارجُ الهداية للذي يتنكب

واجأرْ لربك ، والتمسْ عز الهُدى

فالعز للإسلام ، نعم المَكسب

واعزمْ ، ولا تكُ في المعالي واهناً

لا يرتقي بالحق مَن يتذبذب

وامخرْ عُباب الموج في بحر الدجى

واصمدْ ، فليس يفوز مَن يتهيب

واحذرْ تملق صاحب متميع

يُبدي الأسى ، وفؤادُه يتلهب

يلقاك يبسم ثغرُه متظاهراً

بالحب ، هذا جدُّ أفعى تلسُب

لا تُعطِ سرك من يُذيع على الملا

ما قد بدا منه ، وما هو يعزب

والزمْ مغاوير الرجال ، ولا تحِد

واهجرْ ملياً تافهاً يتثعلب

واتركْ صعاليك الورى وفعالهم

عارٌ عليك إذا إليهم تُنسب

وابخلْ بوقتك أن تُضيّعه سُدىً

تشقى إذن ، وجميعُ أمركَ يُعطب

واربأ بنفسك أن يُمس عرينها

كيف الغضنفرُ يزدريه الأرنب؟

واحملْ حسام الموت إن رُمت العلا

من غير سيفك إن عيشك مُجدب

مَن يحمل الزيتون في دنيا الضوا

ري عاجزٌ ، لو خاض حرباً يَهرب

لا عيشَ كلا للحَمام لحيظة

مع ما له نابٌ يُهاب ومِخلب

والدارُ زاحمها الفسادُ وأهلها

ويُلام مَن مِما يُشاهد يَغضب

والظلمُ أودى بالمعاقل والقوى

وسطا على أُسْد الإباء الجٌندب

والعيرُ تطرب إذ ترى قُطعانها

تشقى ، ويُفقدها الكرامة ثعلب

والناسُ هذا يستبد برأيه

وأخوه – من بين الورى – يتمذهب

يضعون آلاف الحلول ، وعندما

صرخ الطواغي فالجميع تخشبوا

خاب الطغاة ، فهم أضلُّ خليقةٍ

إن الدعاء عليهمُ لمٌحبب

الموتُ أفضل من حياة مَذلةٍ

والعيش بين الظالمين الأصعب

تعس الطغاة ومن يُحب حياتهم

ومن استباحوا ظلمهم ، وتعصبوا

أوليس يسرق نومَهم أخذ المليك

جُموعَهم ، وقيامةٌ تترقب؟

أوليس يردعُهم سعيرُ جهنم

ووجوههم في النار ، يومَ تُقلب؟

أوليس يَزجرهم دعاءُ ضحيّة

دوماً عليهم؟ والدعاءُ مُصوّب

أوليس يمنع ظلمهم سُننٌ خلتْ

في الغابرين ، ووعظها يتصبب؟

أوليس يُرهبهم لقاءُ مليكهم؟

لا يستوي البطاش والمُتقرب

هل من رجوع للإله وتوبةٍ؟

أولا يحب التوبَ مَن هو يُذنب؟

هل مِن حساب للنفوس وما أتت؟

إني أناصح مَن طغوْا: أن جرّبوا

ذكرُ القبور يقض مضجع تائب

فيعد ما اقترفتْ يداه ويحسب

وسؤاله في القبر يَحرمه الكرى

وبكل سعدٍ أو حبور يذهب

والصحبُ أين؟ وأين خُلة مجرم؟

والأم أين؟ وأين من ذاك الأب؟

والقصر أين؟ وأين أندى جوقةٍ؟

كيف النعيمُ اليومَ أمسى يُحجب؟

والخادماتُ اليوم أين ورفقة؟

وبخورُ قصر بالورود مُطيّب؟

أين الطعامُ على الخِوَان مقدّماً؟

و(الجيمس) أين؟ اليوم ماذا يركب؟

وسينشر الديوانُ في سمع الورى

وكذلك الميزانُ فيهم يُنصب

وتفوح رائحة المظالم بينهم

وكأن طاغية الأنام العقرب

ويعيش دهراً في الفضائح مُكْمَداً

وجراحُ مَن ظلموا الورى لا تُشعب

والنارُ – ويحَ النار – تقدحُ باللظى

أضحتْ تُطالب بالطغاة ، وترقب

وتقول للرحمن: زدني منهمُ

ومِن الحجارة ، إنني أتلهب

يا أيها المظلوم: إن عزاءنا

أنْ كل شيء – في الصحيفة – يُكتب

لا يظلمُ الرحمنُ – حاشا – خلقه

بل يغفر الزلاتِ إن هم أذنبوا

إن شاء يمحو سيئاتِ عباده

أو شاء يُوبق من طغى ويُعذب

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات