الزمخشرية و القاضي.

عن مروة بنت قاسم الزمخشري, بينما دعيت يوما للمحاكمة عند قاضي البلاد, ادعيت عليها احداهن باحتكار تجارة الكتان بسوق الحريم, مما اوقف حالها, اذ كانت تحيك اللباس لمعظم النساء بالحي, فسالها القاضي : و ما حجتك عليها؟ فقالت انها كانت تملك باعا كبيرا بين التجار بحكم زوجها الذي كان يعمل بالديوانة, فكانت تفرض الاتاوات العالية و ترسل الحرس لجمع المال عن بضاعتهم, ما اضطرهم لزيادة السعر اضعافا مضاعفة. ثم التف للزمخشرية و طلب منها الجواب فقالت: ايها القاضي , ان المراة التي امامك ذات حسب ونسب و سمعتها بين الناس لامعة لا غبار عليها, و ما هذا  الا ادعاء و افتراء علي, و ان ارادت الجزم فلتحضر من يثبت عكس ذلك. فقالت المراة انها لبست القضية و عندها من يشهد عليها, فاتت برجلين و طلبت منهما الكلام, فاكدا قولها و بانهما كانا شخصيا يطوفان بالدكاكين لجمع الاتاوات, فنظرت جيدا فيهما ثم اردفت قائلة: انها كاذبة يا سيدي القاضي, و ما هما الا شريكان في الادعاء.

لم يفصل القاضي في القضية فورا, بل طلب تاجيل الحكم فيها لاحقا, و اثناء الفترة ما قبل النطق بالحكم, درس القضية من جميع الجوانب و حاول الاستقصاء و البحث عن الحقيقة, و ما هي الا ايام حتى رجع الجميع عند القاضي في هذه المسالة. فخاطب المراة المشتكية وقال لها: اما و قد اشتكيت و ادعيت, نرى قضيتك  يحكم عليها من اوجه عديدة, و بعد البحث و التقصي, و جدنا ان القضية تحمل ابعاد اخرى, فزوج الزمخشرية قد بنى بيتا من شهور باحدى الزوايا المخفية بالضاحية, و قد علمنا انه يواعد احدى بناتك خفية و سيعقد عليها بعد ان يزج حرمه الاولى  السجن, اما و قد لحق الخبر اسماعها, ارادت ان تنال منهما, فما كان منها الا ان خططت لرفع الاتاوات بارسال الحرس للتجار عن امر زوجها حتى تنتقم منه و اعادة هيبتها بين نساء الحي.

سكت قليلا ثم نطق بالحكم قائلا: بعد مراجعة الادلة و النظر في الاحداث, حكمنا براءة الزمخشرية, و ان الجاني هو زوجها بحد عينه.فاحتار الجميع من القاضي و حكمه الغريب. و ما هي الا بضع شهور حت طلقت الزمخشرية من بعلها و صارت على عصمة القاضي. فما قولك في هذا الحديث ؟

فقلت لها ضاحكة: ان قمة العدل في  نظر القاضي هي قمة الظلم في نظر المذنب, و رحمة القاضي قد حسمت الامور بذكاء عاطفي.

Recommended1 إعجاب واحدنشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات