البكائية النحوية – رثاء النحوي!

الكل يفنى ، ثم يبقى الباري

والمُلكُ – كل الملك – للقهارِ

كتبَ الفناءَ على الخلائق كلها

والكل رهنُ مشيئة الجبار

وتنوعت صورُ الحُتوف لحكمةٍ

عند المهيمن عالم الأسرار

فاخترْ لنفسك أي دار تشتهي؟

داران: فانية ، ودارُ قرار

هذي الحياة بقضّها وقضيضها

ما قد بدا للناس والمُتواري

ستزولُ مهما طال مَرّ زمانها

وتبيتُ – رغمَ الأنفِ – كالآثار

هذي الطبيعة سوف يضربُها الفنا

ما عن زوال الكون أي خيار

لكنما ألمُ الفِراق هو الذي

يُدْمي القلوبَ بطائف التذكار

يا أمة الإسلام جُرحُكِ راعني

ودهى احتمالي سيءُ الأخبار

(عدنانُ) فارقَ قومَه وديارَه

ليبيت عند الغيّب الحُضّار

زهدَ الحياة ، فلم يكنْ كلِفاً بها

مِن بعد ما انزلقتْ إلى الأخطار

وأراه آثر أن يموت مجاهداً

مُستبسلاً بعزيمة الثوار

كم ردّ كيد المعتدين بفكره

ولقد تكونُ الحربُ بالأفكار

ورمى العِدا بسِهامه ورِماحه

وشواهدي في طيّب الأسفار

وتتبّع المُتغرّبين ، وصَدّهم

صَدّ الذي – في الحق – ليس يُماري

وانحاز نحو الخيّرين يقودُهم

والفوز عُقبى صُحبة الأخيار

وتحمّل (النحويّ) في تفنيده

شُبَهَ الضلال تعنتَ الأشرار

كم عاش بالمِرصاد يرقبُ هزلهم

ويُبيده بالنثر ، والأشعار

ما قال: وحدي ، والجُموعُ غفيرة

فتقبلوا يا قومنا أعذاري

ما قال: هذي فتنة مَسعورة

وأنا الذي – حَتماً – سألزمُ داري

ما قال: تلفحُني الدغاولُ جَمة

إنْ بحْتُ بالخلجات والأسرار

ما قال: تمتحِنُ الشدائدُ قدرتي

والظلمُ يُوهنُ همّتي ووَقاري

ما قال: ريحُ الشرّ تقتلعُ الهُدى

من بعد أن قهر الطغاة دِياري

ما قال: حَل الشيبُ ، يُحْنِي هامتي

حتى أؤيدَ مَن بغى ، وأجاري

ما قال: قد أديتُ جُلّ رسالتي

وبذلتُ عن عزم ، وعن إصرار

بل عاش يدعو – للفضائل – مُوقناً

مُستعصماً بالسِلم والآثار

مُتحملاً مكرَ العُتاة وبطشهم

مع قلة الأعوان والأنصار

مُتناولاً – بالنقد – ما كتبَ الغثا

مِن جوقة الهتافة التجّار

ومُحَطماً صنمَ العمالة والهوى

بعزيمةٍ وتعففٍ وفخار

واستقرئ الأنباءَ من طلابه

مَن خصّهم (عدنانُ) بالإيثار

فاسترشدوا بعلومه وقريضه

كالنحل يلثمُ طيبَ الأزهار

وأعارَهم قِنديله ليتمموا

بين الأنام مسيرة الأنوار

وليقتفوا آثارَه في عالمٍ

أمسى يبوءُ بخيبةٍ وخسار

وليعلموا أن الحياة قصيرة

والموتَ يقطفُ زهرة الأعمار

عدنانُ أديت الأمانة مُخلصاً

وكشفتَ كل مُخاتل دَيّار

والشعرُ – في يُمناك – أشرسُ حَربةٍ

بأذىً يُخَصّ – غريمُها – وضرار

هذي القصائدُ دُرّة نحوية

أبياتها مِن فضة ونضار

كم حبّر (النحويُ) عاطرَ نظمِها

حتى بدتْ بسريّها المِعطار

لم يألُ جهداً كي يُنقحَ نصّها

ليكون مُنساباً كنهر جار

لمّا يطوِّعْ للطواغي شِعره

وأراه لم يسبحْ مع التيار

لكنه لزمَ المواجهة التي

ثقلتْ على من عاش للدينار

ما انفكّ ينشدُ فرصة ليخوضها

حرباً ضروساً بعد الاستنفار

وأذاقَ طابورَ العمالة بأسَه

كيلا تكون بقية استهتار

حتى قضى (النحويُ) جُلّ حياته

في دفع صائل جوقة الفجّار

فعليه رحمة ربنا ما شقشقتْ

قمْرية ، وأتى الدجى بنهار

وليغفر الرحمن كل ذنوبه

مَن يغفر السوآى سوى الغفار؟

وليهلك الديانُ كل عِداته

مِن أعبدٍ تُزري – به – ، وجَوار

وصلاة ربي والسلام على الذي

هو مرسلٌ مِن ربّه الستار

وعلى جميع الآل والصحب الألى

قد هاجروا والسادة الأنصار

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

بديع الزمان الهمذاني – المقامة الدينارية

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشامٍ قَالَ: اتَّفَقَ لي نَذْرٌ نَذَرْتُهُ في دِينَارٍ أَتَصَدَّقُ بِهِ عَلى أَشْحَذِ رَجُلٍ بِبَغْدَادَ، وَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَدُلِلْتُ عَلى أَبِي الفَتْحَ الإِسْكَنْدَرِيِّ، فَمضَيْتُ…

تعليقات