الأصيل! (عندما يخذل الأهل ويخون الأصدقاء لا يجد الشاعر بعد القرآن إلا الشعر!)

في هجير الشعر عَزيتُ الشببْ

وبحبر الكرب داعبتُ الأدبْ

أنشُدُ السلوان في ظل النوى

وأسلي القلبَ ، في الوادي الخَرب

وأُميطُ الستر عن جمر الغضى

وأزيل الهمّ من قلبي الشبِب

جفتِ الآمالُ في صمت الدُّجى

والأماني في تلافيف العتب

ودماءُ الشعر أضناها الجوى

والفؤادُ العذبُ غَشاهُ العَجَب

والأصيلُ الحر أدمى عزمه

أن توارى أمهاتٌ في السَّلَب

يا أصيل الشعر ، أنت الملتقى

فامنح النفسَ السجايا والطَّرب

أنتَ نورٌ في حنايا خاطري

عشتَ تُعطي رغبتي ما يُطلب

حزنك الدامي طوى ترنيمتي

فانبرت تُزجي قريضي المُضطرب

لا تسلني ، كيف أرداني الهوى

ليت أني لم أهن أو أستطب

يا أصيل الشعر هذي آهتي

في سُويداء الفؤاد المُنشعب

كيف نام اليأس في حِضن الصفا؟

كيف لا تقوى علىَ السطر الشُعب؟

كيف هَد الوهم عزمي ، واستمى

فوق نُور الفجر بالكرب الشجب؟

كيف غِلُّ الوهم في نفسي سَمَا

يسحق البسمة ، يجتاح الأرب؟

يا أصيل الشِّعر غاصت فرحتي

في بطون الحُزن ، أضناها التعب

والورى – ويح الورى – في ضيعتي

بالغوا في النيْل مني والتبب

كلُّ ما حولي سَرَابٌ شامتٌ

والأريبُ الفحلُ في البلوى رَسَب

كبلتْ قلبي المُعنى نارهم

ثم جدّ الجَمعُ في كيل الخُطب

يزعُمُ الأوغادُ أن المفتري

لضمير الغَيب يوماً يختلب

إن غيب الله مخبوءٌ لهم

كلُّ مخلوق لهُ بعضُ النوب

يا أصيل الشعر ، خبّرني هُنا

كيف نام الطِّفل في جوف النصب؟

كيف عاشت أمّةٌ أيامها

في هجير الكَرب ، أو قعر الودب؟

كيف عانت في الدياجي تشتكي

ثُقلةَ الخُذلان ، أو ضيقَ الوَصب؟

كيف لم تأنس من القربى وفا؟

إنما لاذوا بتلميع الغَضب

ليت شِعري ، كيف باعوا صحبتي؟

كيف خانوا ، في جحيم المُنقلب؟

مِن نسيج العَذل شادوا قُبةً

ويشاءُ اللهُ أن تُزوى القُبب

مِن سِياج الظُّلم قد صاغوا الأذى

ثم ها هم هدّدوا مَن يقترب

يا أصيل الشِّعر ها هم أعلنوا

أنهم لم يَضربُوا الليثَ الحَرب

كيف هذا الشر أضحى مركبي؟

كيف تعلو مركبٌ سفحَ الظرب؟

إنما هذي بلايا حَوْبتي

لا تسلني بعدُ عن تلك النُدب

يا أصيل الشِّعر ، يا عطر الشِّفا

إن مرضى الشعر في الدنيا غُرُب

لم أجد في الناس خِلاً مخلصاً

قال لي: وحيُ التباشير اغترَب

اغتربْ ، لا تأس يوماً ، وارتحلْ

عن ديار عشعشتْ فيها العُكُب

عن ديار ما بها غيرُ الخنا

والشريفُ الحُرُّ فيها يُغتصب

والوضيعُ الوَغدُ يلهو بالورى

ولكل العِز فيهم يُنتهب

إنما عارُك أن تبقى بها

يا ضميري العذبَ ، هل يُجدي الهَرَب؟

إنَّ كُلَّ الناس في الدنيا ترى

ثم إن الموت يرنو عن كثب

آه من وخذ الرزايا همتي

بالغتْ حتى استبدتْ بالكُثُب

يا أصيل الشِّعر ، بانت زلتي

أنني في النفس أمعنتُ الريّب

والمنايا لاحقتني ، وارتوتْ

من دمي – بالرغم – في قاع الرتب

إنني في الحق خاصمتُ الورى

إن لي في الحق صولاتِ الهضب

آه ما أقسى قلوباً أظلمتْ

إنه – بالمال – لا يُشرى الهذب

أين من عينيّ لُقيا زوجتي؟

أين من كانت لضيقي تكتئبِ؟

أين من كانت سُروري ، والهنا؟

أين حُبٌ في سُويدائي انكتب؟

أين زوجٌ تمنح النفس الصفا؟

أين مَن كانت حياتي والرغب؟

أين سلوى القلبِ في هذي الدُّنا؟

أين أنسي ، في مواخير الرَّهب؟

أين نجوى الرُّوح ، في جَوف اللظى؟

أين مَن كانت نسيمي في الحُجب؟

أين نورُ العينِ في دَرْكِ العَمَى؟

أين وارتها عن العين السُحُب؟

أين بردُ العُمر في نار الجوى؟

أين من كانت لِهَمي تنتحب؟

أين مِصباحٌ بعُمري مُشرقٌ؟

أين راحتْ؟ أين عصماءُ النَّسب؟

أين مَن – في الكرب – تُزكي هِمتي؟

أين مَن تُلقي الغطاءَ على العِيَب؟

أين إحساسي وحسي والهوى؟

أين حُبي والأماني والوَهَب؟

أين طِفلي بتعالي فرحه؟

أين من يهوى التحديْ للُّعب؟

أين مَن يُدلي بأمر نافذٍ

والعذابُ المُرُّ إن لم نستجب؟

أين مَن بالدمع يُزجي إربَهُ

ثم لي عند خروجي يصطحب؟

أين مَن يهوى خليجاً ضاحكاً

ومع الشطآن – يلهو – والكثب؟

وله حتماً أوارُ ثورةٍ

عِندنا ، إن غاب أو قل الحَلب

لا تلُمني ، يا أصيل الشِّعر ، إن

سُندتْ فيّ الضلوعُ كالخشُب

أو كرهتُ العيش في هذي الدنا

أو جفتْ فيّ الدماءُ كالخزب

أو تعجلت فراقي راغباً

خيرَ ربي من مجاهيل الحُجُب

أو تخذتُ الحُزنَ ثوباً ، والأسى

فعلى الأحباب دمعي ينسكب

إنني – في الكرب – أنعي بسمتي

وعلى الكُثبان تكويني الشُّهب

إن يومي حِقبةٌ مُلتاعةٌ

دمرتني ، آه من تلك الحِقب

وَي ، كأني غارقٌ في نظرتي

وأزيد النارَ ، عمداً بالحطب

إي ، وربي إنني مستعجلٌ

وأريد النصرَ من غير التعب

كيف يأتي النصرُ من غير الأذى؟

إنما تُهدي الجراحاتُ الغلب

لا تلم قلباً بَرَاهُ شوقه

فإذا بالقلب ، تُرديه النُقب

إنما أرداه في أسقامه

أنه لم يستطع عنها النكب

يا أصيل الشعر ، هذي محنةٌ

تقتُل الإنسان بالوهم الوصب

إن ما قد أحدثته كبوتي

يئد الإحساس في العِرق الورب

بتُ لا أرضى البرايا خلة

من حقير كالح الذكرى نخب

وعميل باع دين الله ، لم

يكترثْ ، خاب من وغدٍ ذنب

وقميئ الشكل يجترّ البلا

وإلى الإسلام – زوراً – ينتسب

وذئاب – في الدنايا – أمعنوا

لستُ منكم ، إنكم قومٌ خُشُب

تحسبون الشهم مِن أصحابكم

لستُ منكم ، مِن بعيدٍ أو زقب

فَرّق الحقُ – أفيقوا – بيننا

هل على الإسلام آباءُ اللهب؟

ومُحالٌ جدّ أنا نلتقي

إنما حَبلُ الإخاءات انشعب

يا جحيماً أوجدته طِيبتي

يا حميماً – فوق رأسي – ينسعب

يا عذاباً سببته زلتي

يا ضباباً نحو بيتي ينسلب

قد غمرتُم في النفاق ودّكم

وانطلقتم ، في دهاليز الخدب

إنكم حربٌ علينا ، فاذهبوا

قد أحلتم قلعتي بعض الخرب

لا تعودوا ، لن تلاقوا بسمتي

إن باب البيت من جمر اللهب

إن – حولَ البيت – سُورَ خذلكم

فوقه نارُ التجني تنذعب

إن في أجواء بيتي ثاركم

واللظى يا قوم جبارُ الصَّبب

إن سيفَ الثأر يُمنى طِفلنا

في هجير الغدر تعرو تضطرب

فارسٌ هذا الوليدُ ، فاحذروا

ثم في يُمناه نصلُ المُستلب

إن سقف البيت شَوكٌ ، فاحذورا

ينخر العظم ملياً كالريب

إن للأنذالُ سَمتاً واحداً

فاغضبوا ، والله فوقَ المُغتصب

يا أصيل الشعر أسمعني الصَّدى

وامحُ بالأصداء دمعَ المُنتحب

آهِ مِن صوت النفاق المغتدي

فهْو كاليربوع في الجُحر انسرب

عندما بالحق قد بارزتُه

بات يهذي ، ليس يدري ما السبب؟

ذاك أن الحق ماض سيفه

بينما سيفُ الأباطيل الصَخب

لم أُزخرفْ حُجتي في الملتقى

إنما البُرهان فيها يلتهب

لم أُراوغ ، لم أُدلسْ لفظةً

لم أنافقْ ، لم يُغيّرني الشبب

لم أخفْ سِكينهُم رغم الدما

بل ولا شيطانهم والمغترب

رغم أني ليس عندي خلة

ثم بيتي ما به غيرُ العُسُب

قُلتُ في نفسي: يتوبون غداً

غير أن القوم لجّوا في اللجب

قلتُ: إن تابوا فمرحى وهلا

وإذا لم ينتهوا ، فهْوَ الشَّغب

صاح ، هُم قد صعّروا أنيابهم

كي يُواروا الدم في جوف القرب

مزقوا طِفلي ، وزوجي بعدما

مزقوني في الدُّجى ، يا للعجب

كيف هذا الكيدُ يُزجيه الذي

كان فينا المُرتضى ، والمُستحب؟

كيف كُنا؟ كيف أصبحنا غُثا؟

كيف عِرضُ الأخ يوماً ينزكب؟

ربنا اثأرْ ، فإليك المشتكى

وعسيرُ الحال يُضنيه السَخَب

ثُم إني لا أطيقُ وُدهم

فاكفنيهم ، أنتَ عونُ الُمنتهب

لـــيـتـني فــي الــبـدء لـــم ألــحــق بهم

صــحــبــة الــبــاغــيــــن تُــفــضـــي للودب

والأصيل الشهم يُزجي بذله

هل تساوَى الترب يوماً بالذهب؟

يا أصيل الشِّعر ، هذي فكرتي

هيّجتْ كم من معان وعَصب

تَنشُد الخِلان في دنيا الضنا

وتُعبي الصبر في الأمر الصَّخب

إن دمع الجرح من ألفاظها

يَسرق الأفراح من ساحِ اللِّزب

وجُنُونُ الفَرح في أبياتها

أعجز التفكير كالسَّيل اللَّجب

وجُمُوحُ الكَربِ في أوزانها

قطّعَ الآمال تقطيعَ الشذب

واندلاعُ الجُرح في تفعيلها

يَجعَلُ الدمع عروقاً تنشخب

وانفجارُ الآه في أعطافِها

مثل سَيل في دُروبي يَنشطب

يا أصيلَ الشِّعر آذاَّني النوى

غاصت الآمال في دَركَ الكُرب

لي سُؤالٌ حائرٌ ينتابُني

يسحقُ الأحشاء في بَطنِ العزب

هل لهذي الحال يوماً منتهِيَ؟

أم ستبقى – فوقَ رأسي – كالطُنب؟

ما لهذا الهزلِ حدٌ فاصلٌ؟

أم سيبقى في طريقي كالحَجب؟

وجوادي بدموع لامني

كيف فوق الصخر أراده الخَبَب؟

ذاك أنِّي طائرٌ فوق المُنى

أبتغي الإخلاص ، لا بعض الذهب

ما أكلت القوت بالإسلام ، بل

إن كوب الماء يكفي ، والرُّطب

جيشُ (كسرى) ليس يحمي مُسلماً

طالما بالكُفر مصبوغُ اليلب

إنني حصنتُ نفسى بالتُّقى

ذاك خيرٌ من رطيباتِ الغُنب

يا أصيلَ الشِّعر ، قلتْ حيلتي

ثم غيري قد تسلى باللعب

كاد سيفُ الحقِّ يخبو في يدى

وأنا باق ، ولمّا أنسحب

أستشف النَّصر ، أرجو ريحهُ

صاح ، إن النَّصر أمرٌ قد كُتب

غيرَ أن المَرء توّاقٌ إلى

كل شيء في الأماني يُستحب

أوشك الفجرُ المُواتي أن يُرى

غيرَ أن النور غشّاه الهَكَب

إن ليلَ الفرحِ أدلى سِترهُ

فوق أرضي ، وفضائي والهِضب

إن أُنس السَّعدِ يَغتال الخُطا

في البَوادي ، يُشبه الأم السُلُب

ومليكي مُوهنٌ كيدَ العِدا

صاحِ ، فاطلب نَصرهُ ، نِعم الطَّلب

يا أصيلَ الشِّعر ، حتى الملتقى

عند ربِّي ، كل شيء أحتسب

غربتْ شمسي ، وغارت دمعتي

ونحيبي يَختمُ اليومَ الحَطب

أُمُ عَبدِ اللهِ غابت ، والحِمى

والفِراق المُرُّ ماضٍ في النُجُب

ضِحكةُ الطفلينِ في أنشودتي

تَبعثُ الأنغام ، في خِدر العُرُب

إن أحلى ساعة قد عِشتها

في ظلال الفرحِ والبيتِ الشَنب

عِندما قد كان طِفلي ضاحكاً

مَلء شِدقَيهِ ، مُهيناً لِلسَّغب

عاطرَ الثَّغر ، ومعطار الضيا

يَسكبُ البهجة ، كالماء الثعب

يَبذُلُ النفس رضِيّاً باسماً

لم يقُل يَوماً لنا: إني تعب

أُمُ عبدِ اللهِ ، يا بدراً بَدَا

أنتِ نُورٌ ، أنت فرحٌ يُرتغب

يا ظلال النفسِ ، في هذي الدنا

أنتِ رُوحى ، وانشراحي المُكتسب

أنتِ – بعد اللهِ – في الدنيا لنا

وكذا أنتِ المُنى بعد الكُتُب

أنتِ عبر الضِّيق فيضٌ واسعٌ

فبياضُ القلب صافٍ كالعُطُب

أنتِ خجلى في ملاقاة العَنا

إن تقوى اللهِ للخجلى حَسَب

أنتِ ماءُ العمر غضاً يانعاً

ما أُحيلى المَاءَ عذباً في الثغب

أنتِ بالإسلام عطرتِ الهَوى

باتَ قلبي لهواكِ ينجذب

أنتِ نِعمَ الصحبُ لي في الدنا

نحن بتنا مِثلَ نخل قد أشب

قد جعلنا الهَديَ فحوى حُبنا

واحتسبنا ، صاحِ ، ما أحلى الحِسب

نحنُ لا نرضى بذل عيشةٍ

وكذا لا نرتضى القَول اللَّغب

فإذا الأعداء رامُوا ذُلنا

فعلى الأعداء بأسٌ ينقلب

إنه من عند رب قاهر

ربِّ كِدْ لي من عدوي ، واستجب

قد ظلِمتُ ، واستبيحتْ عَزتي

فاثأر اللهُمَّ مِن قوم نُخب

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات