الآن طـــاب المــوت (تأبين سليمان القانوني)

يسمو القريضُ مَقاماتٍ وتبيانا

ويستنيفُ إذا أطرى سُليمانا

ويَستلذ برنّاتٍ ودَندنةٍ

بها يُرَجّعُ أنغاماً وألحانا

وللقوافي أغاريدٌ تُزخرفها

حتى يكون نسيجُ الشعر مُزدانا

ورقة النص تسبي روحَ قارئها

حتى يَبيتَ – بما يتلوهُ – هيمانا

فكم يطيبُ له ذكرُ الذين سمَوْا

في كل مَكرُمةٍ من أل عثمانا

حازوا من المجد بين الناس ذِروتهُ

وسَطروا – في مراقي – العز ديوانا

وأحرزوا النصر في ساحات خندمةٍ

وأشعلوا – في ديار الكفر – نيرانا

وألزموا الظلم حداً لا يُجاوزهُ

فلم ير الخلقُ – من أهليهِ – عُدوانا

هذا (سُليمانُ) مَن في الخير ضارعَهُ

مِن جيله الفذ إما فاق أقرانا؟

مُجاهدٌ لم تكن تعيا عزيمتهُ

وكان – في حرب أهل الشرك – دُهقانا

وللمدافع – في خميسه – حِصَصٌ

من القذائف لا ، لم تُبق بُلدانا

والجندُ كم فتحوا بالحرب من دولٍ

وكم أزالوا – عن الشعوب – طغيانا

وأصبح الناس أحراراً يُسامرُهم

طيفُ اختيار مليك الناس ديّانا

أو البقاء على ما دان أغلبهم

حتى وجدنا بدار السلم أديانا

وزال قيدٌ وسَجّانٌ ومَلهبة

وإن – في الفتح للآنام – فرقانا

إذ ليس يُكْرهُ هذا الدينُ من أحدٍ

على اتباع هُدىً – بالطوع – ما كانا

والقائد الفذ قد طابت قيادته

والجندُ باتوا – على التحقيق – عُقبانا

ليث هصورٌ ، له في الحرب صولته

ويُمعنُ – الدهرَ – في التخطيط إمعانا

وعاشَ ينصحُ في سر وفي علن

ما أعذبَ النصحَ إسراراً وإعلانا

وما استبد برأي في ولايتهِ

بل استشار غطاريفاً وإخوانا

وقاد دولته بالشرع مقتفياً

آثار مَن رحلوا ، حباً وإيمانا

وساس بالرشد والتقوى رعيتهُ

ولم يكن مستريب القلب خوانا

وكان يبدأ باسم الله خطبته

مردداً: إن هذا من سليمانا

وما تعنتَ في الأحكام يُصدرها

بل كان يَنصب للأحكام ميزانا

وما استكان لأعداءٍ لقوّتهم

بل أثخن الهمجَ الباغين إثخانا

ولقن الكفر درساً لا يُبارحهُ

إلا وقد أذعنتْ قواهُ إذعانا

هذا (سليمان) ، والبناءُ يعرفهُ

فكم أقام بدار السلم بُنيانا

وعَمّر الأرضَ أعلاها وأوسطها

وزاد مُقفرَها عِزاً وعِمرانا

فكم مدارسَ في الأصقاع شيّدها

وكم مبان غزتْ دُوراً وبُلدانا

وكم مساجدَ في الديار أنشأها

حتى تُميّز – بالإسلام – أوطانا

بنى الحضاراتِ ، والتاريخ مجّدهُ

وأوسعَ الفذ تدشيناً وشُكرانا

وكم بيوتٍ لقوم مُعدِمين بنى

فأصبحوا في (بيوت الوقف) سُكانا

سل الصهاريجَ مَن أعلى قوائمها؟

ومَن أعدّ خِلاف البئر بستانا؟

سل القناطرَ مَن بالماء أترعها؟

ومَن أقام لها سَداً وشطآنا؟

سِنانُ باشا له في الصُنع هندسة

تلك التي بقيتْ في الأرض أزمانا

مُنمنماتٌ لها سبكٌ يُزخرفُها

بات الجمالُ بها في الدار مُزدانا

هذا (سليمان) صاغ الشعرَ مُرتجلاً

حاكى امرؤ القيس والأعشى وحَسّانا

وضمّن الشعرَ آياتٍ يُرتلها

والشعرُ يسمو إذا ما ضمّ قرآنا

مَن عاصروهُ روَوْا أحلى قصائده

شم القوافي ، سمتْ معنىً وأوزانا

وجالسَ العلماءَ الناصحين لهُ

ولم يباشرْ لمَا قالوهُ عِصيانا

وخالط الفقهاءَ المُخلصين ، ولمْ

يَخرُجْ على فقههم هوىً وبُهتانا

وسامرَ الأدبا شوقاً لمَا حَذقوا

مِن البيان سبا رؤىً وآذانا

هذا (سليمان) ، والقانونُ يعرفه

إذ سنهُ ، واجتبى للسَّن أعوانا

مُوافقاً لنصوص الشرع في وضح

أراد بالسَّن توفيقاً وإحسانا

ثم استشار (أبا السعود) تبرئة

لذمةٍ ترتجي عَفواً وغفرانا

وخط درباً يُقوّي رُكن دولته

والدينُ يَحفظ للدولاتِ أركانا

وإن (هارولد) أغنانا بمِدحتهِ

إذ خطها يبتغي للحق تِبيانا

خط الكتاب ، وغالى في أدلته

حتى يكون لأهل العلم برهانا

وللعباراتِ في الكتاب رَونقها

إذ أصبحت في دنا التشكيك سُلوانا

هذا (سليمان) ما خبَتْ معاركه

إذ أوْقدتْ في قلوب البغي أضغانا

ملاحمٌ رسَم التاريخ قصتها

وحِبْرُ ريشته مِن دمّ قتلانا

وإن فوق ربا (القوقاز) أشرسَها

وبعضُها قاده في أذرَبيجانا

وفي (الأناضول) كم دَكتْ مدافعهُ

بغيَ الروافض ، تُخْلِي منه أكوانا

وسلْ (بروزةَ) عبْر البحر ، جذوتها

تُصلي الألى رفعوا – بالرغم – صُلبانا

وسل معي مَن رمى الفايكنج أجمعهم

بالنار حتى محا كِبْراً وسُلطانا؟

ومَن أذل مجوسَ الأرض ، فاندحروا

وزال مَن لبسوا في الناس تِيجانا

وفي جميع الدنا جلى عقائدهم

ومَن لها اتبعوا صُمّاً وعُميانا

هذا (سليمانُ) في الحَرَمين طعمته

لمن أتى حرمَ الإسلام جَوعانا

وماء زمزم للأمصار حوّله

يروي به الشعب إما كان ظمآنا

وفي التكيّة مِن آثار نِعمته

وإن فيها من الخدام عُبدانا

يُهدي الحجيج ، ويَسقيهم ، ويُطعمهم

وكل ذلك قد أسداهُ مَجانا

وكان يكسو الألى حَجّوا أو اعتمروا

مَن ارتدى ثوبه ، أو كان عُريانا

يرجو الثواب مِن الإله محتسباً

كمَن يُراقبُ حين البذل رَحمانا

هذا (سليمانُ) في (أستانةٍ) جُعلتْ

دار الخلافة ، زان الحسنُ بلقانا

ما انفك يبني بلا يأس ولا ملل

ويستشيرُ أولي ذِكْر وخِلانا

حتى غدتْ في ديار الترك حاضرة

مثل العروس ارتدتْ في العُرس فستانا

سل الفواكه في أرحابها ينعتْ

وانظرْ نخيلاً وأعناباً ورُمانا

في كل صُقع بها الأشجارُ باسقة

تفوحُ مِسكاً وكافوراً ورَيحانا

فيها البناياتُ ما برحتْ تزخرفها

كالروض إما ازدهى للعين ، وازدانا

مرّتْ قرونٌ على ما قد بناه بها

وكل صرح غدا حِصناً وإيوانا

قوارعُ الدهر ما نالت عِمارتها

زلازلاً خبرتْ تترى ، وبُركانا

هذا (سليمان) والجهادُ يعرفهُ

سيفاً ورُمحاً وساحاتٍ ومَيدانا

في نصف قرن فتوحاتٌ مُكللة

بالنصر ، إذ غدَتِ الأرواحُ قربانا

في (آسيا) بعد (أفريقيةَ) اندلعتْ

آناً ، وفوق ربا (أوربةٍ) آنا

في (بُودابستٍ) و(تبريزٍ) و(مَرْسِيةٍ)

و(بلجرادٍ) و(طولونٍ) و(جيّانا)

في (سيكتوارٍ) و(إيطاليا) وما حوتا

معاركٌ أرخصتْ في الفتح أثمانا

وفي (سواكنَ) آياتُ الجهاد زكتْ

حتى تُحرّرَ إقليماً وإنسانا

واسألْ ثرى (وبوليسَ) ، ذي حجارتها

قد خضّبتْ بدماء الجند صفوانا

إذ أعلنتْ يوم أضحانا نهايتها

شرّ الضحايا قطيعٌ زاد كفرانا

لذا فرحنا زُهاءَ الفرحتين معاً

وجمعُنا بات يوم النحر جَزلانا

وإن (مُوهاكسَ) لم تبرحْ خواطرَنا

إذ جرّعتْ جُل أهل الصلب خسرانا

ولقنتهم دروساً ، عز شارحُها

فما استطاعوا لها – واللهِ – نسيانا

وفتح (رودسَ) حيٌ في ضمائرهم

فقد أذلتْ ظروف الفتح فرسانا

رغم الحصون تحدى الغيثُ عزمتهم

إذ الهوانُ – على أصحابه – هانا

فاستسلموا دون أن يُبْدوا مقاومة

فالعِيرُ ما حسِبوا للحرب حُسبانا

وران ما كسبوا في جُل عِيشتهم

من المعاصي على قلوبهم رانا

فكان نصراً جَرَتْ سيلاً غنائمُه

وأيّدَ الله يوم الفتح هلكانا

هذا (سليمانُ) زوجٌ لا نظير له

واختار زوجته العصماءَ رُوكسانا

كانت حَصاناً رَزاناً في قبيلتها

وبادلتْ زوجَها عَطفاً وتحنانا

ويعجز الوصفُ عن فحوى مَناقبها

والأهلُ كانوا مَغاويراً وأعيانا

سليلة المجد في أصل وفي نسب

في الجود فاقت رجالاتٍ ونسوانا

ولم تُسافحْ ، ولم تخنْ تعففها

بل أحصنتْ فرْجها – والربِّ – إحصانا

أغنته عن كل ما يرجوه في امرأةٍ

وناولته رضاً عنهُ ورضوانا

حتى إذا بلغ السبعين أقعدهُ

داءُ الملوك عن الجهاد أحيانا

ويوم معركة (الهابسورج) ناصحَهُ

شيخ الأطبا: رعاك الله مولانا

بالنقرس اللهُ قد أعطاك معذرة

والرخصة اشترعتْ عفواً وسلوانا

فقال: إني للاستشهاد مُنتظرٌ

دَعني أمُتْ في سبيل الله رَيّانا

يأتي الشفاءُ إذا جاهدتُ مَن كفروا

دعني أرَغِم أهواءً وشيطانا

ويركبُ البحرَ مُستلاً مُهندَه

ومَن رآه رأى في التوّ رُبانا

أو (بايزيدٍ) ، وتحْدُوهُ مآثرُهُ

لما غزا وسْط (أفريقيةٍ) غانا

ولستُ أنساهُ إذ وافى بخطبته

في يوم جُمعته ، والفتحُ قد حانا

وبعدُ صلى بهم يرجو مثوبته

والجندُ صاروا على الأعداء عُقبانا

أعطى ملوكُ العِدا للفذ جزيتهم

وأصبحوا عندهُ في الأرض جُعلانا

وعاش يُوسِعُهم ذلاً ليقهرهم

على الخضوع له قوماً وبُلدانا

هذا (سليمان) سل عنهُ قراصنة

لم يُبق منهم بسيف الحق قرصانا

والبحرُ يشهدُ إذ كان النزالُ به

والشِيبُ قد سبقوا للحرب شبانا

والكاثوليكُ أغاروا دون مرحمةٍ

على كتائبه ، فاهتاج غضبانا

وخلفهم بروتستانتٌ وكوكبة

من كل مرتزقٍ يختال سكرانا

فاجتث باطلهم في كل مصطدم

وألبس المجرمين العِير أكفانا

وأنقذ الشهم آلاف اليهود بها

إذ أرسلوا مِن شكاوى الحال أطنانا

لكنهم غدروا ، والغدرُ شِيمتهم

ويخذلُ اللهُ غدّاراً وخوانا

ويوم مات أقام الكفر مأدبة

فيها المطاعمُ أشكالاً وألوانا

من موته اتخذوا عيداً ليحتفلوا

بموت مُرعِبهم نوماً ويقظانا

فيا (طرابزونَ) بابن شادكِ افتخري

أعاد ذكرى (أبي ذر) وسلمانا

وجدد الدين في الأقطار قاطبة

وما علمنا له في العزم أقرانا

وقبل أن تُدرك السلطان ميتتهُ

أوصى الصناديد أصحاباً وندمانا

يا قوم فلتُخرجوا كفيّ من كفني

كأنما دوحة تمد أغصانا

كي يدرك الناس أني ما أخذتُ شياً

أنا الذي عشتُ في دنيايَ سلطانا

كذاك دُسّوا معي في القبر أسئلتي

تكون شاهد عبدٍ بات حيرانا

حتى تقول: أنا استفتيتُ مَن فقهوا

وهم أجازوا ، وما أرغمتُ إنسانا

يا آل عثمان أحسنتم قيادتكم

طوعاً لرب الورى ، حباً وإيمانا

ولم تخافوا فلاناً رغم سطوته

ولم تخافوا غداة الروع عِلانا

يا (آلَ عثمان) أدّيتم أمانتكم

يا رب فارحمْ ، وسامحْ آلَ عثمانا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات