إليك وحدك يا حمزة يا أسد الشعر!

يا حمزة الشعر ، حرّك ساكنَ الأملِ

وداعب الشعر بالمُجتثِ والرملِ

وعطرِ القولَ بالمَديد مُرتجلاً

أو بالبسيط على ترنيمة الحَجَل

أو الطويل ، فهذا بحرُ مَن سبقوا

أو الخفيف ، وحاذرْ سطوة الزلل

أو المضارع ، واحقنْ دمعة ذرفتْ

أو السريع ، وخففْ فورة العِلل

خلّ الكسورَ لمن أشعارُهم خبلٌ

ولا تسائل متى يمضي أسى الخبل؟

فالشعر سام ، ولا يرقى له خَرفٌ

وكيف يصعد غِرٌ ذروة الجبل؟

كم ذا قرأتُ لكم يا صاحبي زبداً

فأيقظتْني ، وأحيتْ ميّتَ الأمل

ففي (الأريج) لكم شعرٌ به سَمَرٌ

وكم بكيتَ على ترنيمة الطلل

وكم لمستَ به آهاتِ فرقتِنا

وكم عزفتَ على تفعيلة الغزل

وكم طرحتَ لنا حلاً لمأزقنا

وكم رسمتَ لنا بُحبوحة المُثل

وكم ذكرتَ لنا أيام عِزتنا

ثم انبريت تُعاني هوّة النقل

(مساجلاتٌ) لكم أهديتها (حمَداً)

مكانها القلبُ ، أو محاجر المُقل

وكم سمعتُ لكم في الحق مِن خطب

مذاقُ جذوتها أحلى من العسل

ثم استمعتُ إلى أندى محاضرةٍ

تعقبتْ جوقة التدمير والخلل

يا حمزة الخير أخرسْ كل مَن هزلوا

وبالضلالة نادَوْا دونما خجل

كم خرّبوا الشعر والأخلاق قاطبة

وكم أجادوا – لذبح الشعر – مِن حِيل

تنكروا لهُدى الإسلام ، فانحدروا

إلى الحضيض ، وذاقوا وَهْدة السَفل

تعلموا في دنا الإفرنج ، فانحرفوا

ثم استساغوا بها معيشة الجُعَل

رأوا (فرنسا) بهذا العُهر مملكة

يا ويحهم ضربوا في التيهِ والخطل

لذاك نالوا من (السُوربون) أوسمة

بعد الشهادات والألقاب والرفل

عَمُوا عن الحق ، فانصاعوا لباطلهم

وما استجابوا لوحي الله والرسل

على عيون يهودِ الأرض قد صُنعوا

لذاك صاموا ، وقد صلوا لدى هبل

وحرفوا أدب الأعراب ، ويحهمُ

لكي ينالوا العُلا في جَوقة الدجل

و(مونُ بيلييه) تدري كل ما صنعوا

وفي (الرفيرا) بقايا الكيد والفشل

وعند (إيفيل) كم من همةٍ دفنتْ

وما استكان الورى للرب مِن وجل

تعلمنوا في ديار الغرب ، فاغتربوا

عن العقيدة والتوحيد والنبل

عادوا إلينا يقص الناس خيبتهم

وقد غدا علمُهم ضرباً من الختل

تفرنجوا ، فغدت آدابهم عبثاً

ويزعمون بأن حطوا على زحل

بضاعة الغرب جاءت في رحالهمُ

حادوا عن الحق فانساقوا إلى الضلل

يا حمزة الحق لا تسألْ فطاحلهم

عن الرشاد فجُل القوم في المَيل

ولم يكونوا على شيء فنمدحهم

فلا تغرنْك أنباءٌ من الرتل

هم دمروا الضاد تطويعاً لسادتهم

وكم لهم في خراب النثر من نِحل

هذي الجموعُ (عميدُ) الشر رائدُها

مِن كل مرتكس الأخلاق مُبتذل

صناعة الغرب ، لا دينٌ ولا خلقٌ

يغط في دنس التغرير والثمل

وسلْ عن الوغد باراتٍ تأبطها

يداعبُ الراحَ في دعْر وفي نهل

حتى إذا لعبتْ بعقله شمختْ

بأنفها بطراً تزيحُ في البطل

لما انتهى دورها أرغى: سأكمله

وصوته هدّد الآفاق بالصهل

كفيف رؤيا ، وكُف القلب عن بصر

وفي الضلال جثا يحيا بمعتقل

وتابعَته على الأهواء شرذمة

دقوا الطبول على تعويذة التِوَل

و(هيكل) البيْن يحكي كل ما اجترحوا

فذاك راع لهم قد ساد في الرّسَل

واسأل (نجيباً) لماذا (نوبلٌ) مُنحتْ؟

موتُ الإله مفاتيحٌ لمنتحل

واسأل (لويساً) و(شكرياً) ومَن كتبوا

يُدَنسون حِياض الدين بالخبل

واسأل (سميحاً) و(إيلياءً) ومَن نظموا

شعر الضلالة والإفلاس والدجل

واسأل (أدونيسَ) و(الخوريَ) مَن نقدوا

أقبحْ بنقدٍ على الأوحال مكتمل

كذاك (جورجيْ) ومَن مِن حمقهم جعلوا

مِن الحنيفة ما يُفضي إلى الجدل

وسُنة الله كانت فضح باطلهم

فاستسلموا لقضاء الله مِن خجل

ثم انبرى جمعُهم ، واهتاج منفعلاً

يُعارض الحق ، ، يُطفي شعلة النبل

حتى تصدى لهم مَن آمنوا زمراً

فخيّبوا سعيهم من غير ما وجل

فأصبحوا ونفوس الصِيدِ تحْقِرُهم

ولا تراهم سِوى حشدٍ مِن الجُعَل

واليوم جَلى كِرامُ الناس لعبتهم

وإن مَكرهمُ يُردي رُبا الجبل

لكنّ رب الورى أوهى عزائمَهم

فكل ما كتبوا في ذِمّة الطلل

ولا يُغرّ بهم إلا مَن انحرفوا

عن الصراط ، ورامُوا ظلة الزلل

فيطبعُ القومُ أفكاراً مُعلمنة

ويشتري الناس سُم الموت في الأكُل

وسل (نِزاراً) عن الأوهام يكتبها

شعراً يقود إلى التدمير والثلل

ديوانه صُبغتْ بالقبح أسطرُهُ

وراجَعوهُ ، فأبدى ذِروة الدعل

ويُدرك العُهرَ – في الأشعار – صائغها

لكنْ (نزارٌ) علا – في الكيد – بالأسل

صارت له في اندحار الشعر مدرسة

وكلهم أوغلوا في القبح والحِوَل

تعقب (الأنورُ) الضرغامُ فيلقهم

فأصبحوا في حضيض الوحل كالمهل

يا (أنور) الخير عرّفنا بخدعتهم

أنت الجنودُ ، وأنت السيفُ ، فامتثل

وابن (الحُسين) له في فضحهم كتبٌ

وآل قطب لهم باعٌ من الفضُل

كذاك للفارس (النحوي) ملحمة

تُردي الخصوم ، وتمحو حَمأة الجدل

وأنت يا (حمز) في كشف الخفا لبقٌ

تُنقّح النقد ، تَنفي سَوْرة الدغل

تبصّر الجيل بالأوغاد في وضح

وبعدُ تُتحِفُ أهل الشعر بالبدل

بديلكم في نفوس الصيد مُنبلجٌ

والصبحُ أسفرَ ، فيم المُكث في الزعل؟

يا حمز ذر شهي النقد في ألق

وأظهر الحق ، واقمعْ جوقة الدخل

عرّ الحداثة والتنويرَ والخبثا

واكشفْ تآمرَهم وباطلَ المِلل

فمَن سِواك لهذا الأمر يُبرزهُ؟

إنا نتوق – إلى هذا – على عجل

ولا نزكيك ، بل هذا تفضلكم

على الجميع ، لذا فابذله في نفل

فاكتب كتاباً أصيلُ النقد منهجُه

وافضح دهاقنة الإفلاس والذعل

لا تتركن لهم سيفاً يُذادُ به

عن الهُراء ، وحاذرْ ثقلة الكسل

وحرّق الغرقدَ المُلتفّ حولهم

ورُش عَوْسَجَهم بالحق ينجدل

ويا (أبا النصر) لا تعبأ بجَحفلهم

سيَهزم الحق أهلَ الزيغ والزجل

مَن سبّحوا بعطا الطاغوت ، وارتكسوا

ومَن تسلوْا بسُكنى التيه والقلل

واستعذبوا العيش في اللذاتِ وانجرفوا

سيَعلمون غداً تقلب الدول

ولن يدوم لهم كأسٌ ولا رغدٌ

كلا ، ولن يُدركوا بُحبوحة المَهَل

أمرُ المليك سيأتي رغم عُدتهم

ولن يذوقوا ربيعَ العُمْر والأجل

إذ إنها سُنة – في الخلق – ماضية

كم من ستار – على المقدور – مُنسدِل

يا حمزة النور ، إن النصر موعدنا

نحنُ النماءُ ، وهم في رقدة الفشل

والله غايتنا ، والمصطفى مَثَلٌ

أكرمْ بأحمدَ والأصحاب مِن مُثل

كذا القراْن لنا نورٌ يُبصّرُنا

والموتُ – في الله – أسمى غاية النبل

نبلغ الحق ، لا نخشى الذين طغوا

وواعظ الحق لا يرضى بمُختبل

ولا نخاف على دنيا تموجُ بنا

إنا نتوقُ إلى الجنات والنزل

ولا نرقع دنيانا بشِرعتنا

ولا نميلُ إلى التلوين في العمل

ونكتب الشعر ، نزْكِي أزر عزمتنا

ولا نريد به شيئاً من الدقل

فلا ننافق طاغوتاً ليرفعنا

أقبحْ بشعر ثقيل الظل مُفتعل

إن التكسب بالأشعار مَنقصة

أبئس بشعر غليظ الطبع مُرتجل

إن الذى يكتب الأشعار مُرتزقاً

بالشعر يُطفئ نور الشمس بالوشل

إذ الحقيقة لا تخفى معالمُها

كالشمس تُردي سريعاً أجبُل الظلل

وكم مُراءٍ بشعر بات يلعنهُ

والناسُ من نظرةٍ للبيت في ملل

وإنْ يُطالعْه مجنونٌ لضاق به

ولاحتواهُ الأسى مِن لوعة الكلل

دار الزمان ، وعِشنا ضيعة الشعرا

فأغلبُ الشعر في الآهات والقبَل

وفي العيون ، وفي الشعور مُسدَلة

وكم بجيدٍ ثوى مِن شعر مُبتهل

وفي القدود ، وفي الرضاب تبعثه

ليلى الحنين يُعاني ذابل البلل

وفي ابتسامة (رضوى) أو تكسرها

والرأسُ مثلُ سِنام البُختِ والإبل

وفي الملابس شفتْ عن مفاتنها

كي تستميل فؤاد الشيخ والرجل

أو في السفور يُجَلي وجه غانيةٍ

أو في التبرّج خلف العِطر والحُلل

أو في النهود رياضُ الشعر مَرقدُها

يا ويح شعر – بوصف النهد – مُحتفِل

أو في النحور قلتْها كل مِلحفةٍ

لكي نعيش على عُهر النسا الأول

أو في الجُيوب قلتْها اليوم أخمرة

يا ويح جيب – لبُعد الستر – مُنفعل

أو في المَساحيق فوق الوجه مُشْهرَة

سيف الفجور بلا خِزي ، ولا خجل

أو في الأصابع قد طالت أظافرُها

مثل الحوافر في عنز ، وفي وَعِل

أو في الشفاه عليها (الروجُ) مُنطبعٌ

كم أبرزتْ حسنها – للناس – مِن وُسُل

أو في الخضوع بقول يشتهي طمعاً

وبعدُ تجترّ في ترنيمة الجُمَل

أو في الخصور تدلتْ مِن كواعِبنا

أو في البطون تُصيبُ الصب بالثقل

والأمسياتُ – لهذا الشعر – قد فتحتْ

أبوابها ، وضيوفُ الشعر في القلل

وقد أعِدت لهذا الصنف أوسمة

لقاءَ ما أحدثوا – في الناس – مِن غِيل

كلٌ يظن بأن الشعر صَنعته

وصَوته يُوصِدُ الآذان بالمغل

والشعر منهم برئٌ دائماً أبداً

كل البراءةِ ، شعرُ اليوم والأزل

برئٌ الشعرُ مِن نذل يُلوثه

ومِن خليع الهوى في شِعره دحل

يا حمزة الشعر ، إن الشعر يأمرُنا

أن نرسل الصدعَ مثل العارض الهطل

نعيد للحق ثوباً كان يلبسُه

ليأمن الشعر مِن إرهاصة الوَهَل

ويعتلي أدبُ الأعراب منزلة

كانت له – في نفوس الناس – والدول

أعدّ نفسك ، والحقني على عَجَل

ولا تسوّفْ ، كفى ما كان من مَطل

ولا تدَعني – بجُرحي – أشتكي ألمي

جرحٌ بقلب قريضي غير مُندمل

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات