أمومة بلا رصيد! (رفعها من الحضيض فأبتْ!)

أغرى السفيهة عن وليدها الهربُ

فلم تقم بالذي – في حقه – يجبُ

والآدمية – من أفعالها – برئتْ

لأنها – بسواد الغدر – تختضب

والعقل يبرأ من أمومةٍ بخلتْ

عن حق طفل بكى ، لها به نسب

والرحمة انتزعتْ من قلب هازلةٍ

طغى عليها الهوى واللهو واللعب

والحكمة انتثرتْ في عقل مجرمةٍ

حتى غدت بسعير الطيش تعتصب

والرشْدُ جافى التي زاغت بصيرتها

وليس في القلب أخلاقٌ ولا أدب

والزيفُ عشعش في ضمير كاذبةٍ

ألم يُربِّ التي ترمي الوليد أب؟

وللخداع مكانٌ في مشاعرها

ويفضح المرءَ – كم – شعورُهُ الخرب

والغش يجري دماءً في ترائبها

والختلُ ديدنها والشك والريَب

والغدر طابعها ، تعساً لغادرةٍ

والغدر يوماً – على الغدَّار – ينقلب

والظلم سمتٌ به بين الورى عُرفتْ

والنار موعد مَن حقَ الورى سلبوا

ما ذنب طفل أتى الدنيا على قدر

أن تخذليه ، فيبكي ، ثم ينتحب؟

يقول: أمي ، فلا يلقاك حاضنة

فيشتكي ثاوياً ، وبعدُ يكتئب

ولا يعزيه – في مصابه – أحدٌ

كأنه ليس – للأهلين – ينسب

يذيقه الدمع من آلام حرقته

وبُعدُكِ – اليوم – نارُ بعضُها اللهب

يشكوكِ لله ، علّ الله يرحمه

وقد يغالب ما يلقى ، فيحتسب

ويستبد به مَرارُ محنته

فيستكين لما تأتي به الكُرب

يبيت ليس يرى طيفاً لبارقةٍ

وقلبُه يشتكي ، والعقلُ ، والعصب

ويرسل الدمع مدراراً ، يحن له

قلبُ لما يعتري هذا الفتى يَجِب

ويُرجِعُ البصر المشحون مسكنة

في كل وجهٍ من السرير يقترب

يقول: أين التي بالكَره قد حَملتْ؟

أمَا لها بالفتى وصلٌ ولا نسب؟

وثابتٌ حقه حتى لو ابن زنا

فتلك أمٌ له ، وبيننا الكتب

فيُرجع البصرَ الملهوفَ منكسراً

لأن أم الفتى حَلا لها الهرب

وخلّفته وحيداً في لفافته

ويسأل الناسُ كلُّ الناس ، ما السبب؟

ألستِ زوجاً على الكتاب قد نكحَتْ

ووفق شرع الهُدى ككل من خطبوا؟

أم أن فاجرة تأوي لعاشقها

فمرة بالرضا ، أو لا فتغتصب؟

ألم يجدك أبي يا أمّ خادمة

على جبينك ذلُ القهر منكتب؟

تُسخرين بلا عطف ولا خلق

وإن زللت فأهل البيت قد ضربوا؟

وقد تُسَبِّين بالألفاظ جارحة

يزفها الفحشُ والإيذاءُ والصخب؟

وقد تُهانين في عِرض وفي شرفٍ

والخادماتُ إذا اشتد الأذى خُشُب

وقد تعارين بين الناس هينة

وكل فردٍ له في أمره أرب

وقد تُزلين في سر ، وفي علن

ومن أذلك هذا الفارسُ الضرب

وقد تباعين ، والأثمان تافهة

بيع النخاسة ، لا دينٌ ولا رُقب

حتى اشتراكِ أبي زوجاً مُكرمة

يا حظ زوج – إلى الكِرام – تنتسب

فعشت زوجا لها مكانة شرُفتْ

ووالدي أسَدٌ – على العِدا – حَرِب

وجاد ربكِ بالأولاد أولهم

أتى ، ونورُ الحياة الأشبُل النجُب

ماذا تريدين بعد العز قدّمه

أبٌ أجارك ممن بالورى لعبوا؟

لو قد أرادكِ للفراش عاشقة

لما امتنعتِ ، وللأسياد ما رغبوا

لكنْ: حرامٌ أبي – عن الحرام – نأى

لذا تزوّج حتى يذهب الشبب

أليس هذا أبي؟ ألست زوجته؟

أم أن لغزاً – علينا اليومَ – يُحتجَب؟

ألا تحسين بي في كل خاطرةٍ؟

أم أن قلبك – يا أم الفتى – خَشَب؟

وفي المنام ألا ترين نازلتي؟

أم بيننا حالتِ الآمادُ والحُجُب؟

ألم تحدثك عني نفسُ شاردةٍ

أن قد طواني الأسى والرزءُ والنوب؟

في غالب الوقت سيفُ الجوع يذبحُني

ما حِيلة الطفل إذ ينتابه السغب؟

والحزن يسرق من عمري مباهجة

وبالجوى تذهبُ الأفراحُ والطرب

نأيت عني ، فمن تعنيه مصلحتي؟

ومن سيلقمني ثدياً به الحَلب؟

ومن سيحنو بلا منّ ولا ضجر؟

ومن سيصبر ، لا يؤزه الغضب؟

ومَن سيحمل همّ الطفل محتسباً

عند المليك ، ألا قد فاز محتسب

ومَن يُضمِّد جرحاً في جوانحه

ومن يواسيه إن أودى به الرهب؟

ومَن سيمسح دمعاً سال منحدراً

كأنه الغيث ، قد جادت به السحب؟

ومَن سيكلؤه بالعطف مصطبراً؟

والعطفُ أثمنُ ما يُرجي ويُطلب

ومَن يجيب على آلاف أسئلة؟

شأن الذين إذا ما جودلوا طربوا

ومَن سيُهدي له دُمىً يُسامرُها؟

وأنسُ كل فتىً دُماهُ واللعب

ومَن يلقنه القرآنَ في صِغر؟

إذ الحياةُ له القرآنُ والأدب

ومَن يعلمه الأخلاق يرشده؟

يُعلي الفتى رشدُه ، لا المال والحسب

ومَن يُسليه إن دهته كارثة؟

ومن سيعطيه إن أودى به الوَدَب؟

ومَن سيصحبه في كل معضلةٍ؟

إن الأصيل كِرامَ الناس يصطحب

ومن يباهي به إن كان ذا قيم

شأن الأباة الألى من الهُدى شربوا؟

ومن يضيء له دروب عزته

حتى يكون له على العِدا الغلب

ومن يصون له الحقوق أهدرها

قومٌ على ربهم بالعمد قد كذبوا؟

يا أم عودي: أنا مازلت منتظراً

وسوف أبقى مدى الأيام أرتقب

أهفو إليك بأشواق معطرةٍ

ترى مجيئك نعم العَودُ والطلب

إني أعيذك أن تبقَي مفارقة

فكم يقاسي جوى الفراق مغترب

أراكِ أمعنتِ في بَينٍ دهى كبدي

وهاك دمعي – على الخدين – ينسكب

كفاك بُعداً ، أحاسيسي تسائلني

فهل علاجٌ لهذا الواقع الكذب؟

أين الأمومة يحتاج الصغير لها؟

هل الأمومة – يا أم الفتى – لقب؟

هل الأمومة صكٌ لا رصيد له؟

أم أنها واجبٌ ، ترجي به القرب؟

هل الأمومة طفلٌ بالنقود أتى؟

دون الأمومة مالُ الأرض والذهب

هل الأمومة تشريفٌ بلا تعب؟

بل تضحياتٌ ، ففي طيَّاتها التعب

هل الأمومة أن ترتاح مُثقلة

من المخاض ، فلا كدح ولا نصب؟

هل الأمومة أن يقال: أم فتىً

تلك التي عن رؤى الوليد تغترب؟

يا أمّ منكِ معاني الأم قد برئتْ

فراجعي النفس ، إن العقل يضطرب

فكم تحيَّرتُ في أعتى معادلةٍ

لمَّا يجد مثلها عُجْمٌ ولا عرب

أمٌ تزايلُ عن عمدٍ أمومتها

هذا الذي لم يكن ، وتشهد الحقب

فالأمهاتُ – مدى الأيام – في شُغل

وبالأمومة يا كم فاخر العَجَب

بذلن ما اسطعن في حب وفي جَلد

والدور تشهد ، والقُدور والقِرب

حتى الخيام بجهد الأمهات شدَتْ

والأرضُ شاهدة ، والرمل والطنُب

عانين في العيش والتاريخ مرتصدٌ

وعنده قصصٌ من بينها خُطب

يا أم فلتقرئي ، كي تنصفي ولداً

يريد أمّاً ، لها يهفو وينجذب

عودي لكي تخرسي من فيكِ قد ولغوا

وتُقنعي بشراً عليك كم عتبوا

إني جهرتُ بحق في الضمير رسا

وبالحقائق يُردَى النقصُ والعـطب

بصرتُ قلبك – بالأحداث – مفترضاً

أن ترجعي ، وعسى يردك العتب

ففي انتظارك بيتٌ ،أنت غادته

والتين يُتحفه ، والموز والعنب

واثنان قد قتلا شوقاً لغائبةٍ

ابنٌ يعزيه في هذا المصير أب

فلترحمينا من الفراق جندلنا

ولا يحس – بأنات الجوى – خشُب

لكننا بشرٌ ، تبكي جوارحُنا

وفي الحنايا دمٌ يحيا به عَصَب

لحمٌ وعظمٌ وإحساسٌ وعاطفة

جسم تسير به الأقدام والرُّكب

نحِسُّ بالكرب يسري في القلوب أسىً

فنستعين بمولانا ، ونحتسب

وإن بُعدَك قد أوهى عزائمنا

كأنه النار ، والعزائمَ الحطب

أرجوكِ يا أم ، رُدي حق مبتئس

في المهد يشتاق للقيا ، ويرتغب

لولا رحيلك لم يغمر مدامعه

دمعٌ ، ولم يُضنِهِ همٌ ولا وَصَب

وأنت أخبَرُ بالسهاد يَحرمُه

طعمَ الرقاد ، لأن القلب يلتهب

يكابد الشوق ، والأطيافُ تحرقه

كأنها – في دجى – أيامه شهب

يبكي حقوقاً له باتت مضيّعة

وأنتِ من جعل الحقوق تُغتصب

لولا رحيلكِ عني ما اعتصرتُ جوىً

ولا الحقوق – أمام العين – تُنتهب

عودي لنحيا معاً بالحب يجعلنا

نبني الحياة ، وبالأمال نختضب

هل استوى الخلق قد نالوا كرامتهم

والخلقُ رغماً على أبشارهم ضُربوا؟

إن الحقائق – يا أماه – واضحة

لا يستوي الحنظل البرّيّ والرطب

لا يستوي الطفلُ ذو أم تداعبُه

والطفلُ أعمى نوايا أمَه الهرب

جزا المليكُ أباً أمسى يُعَوّضُني

حنانَ أم قسَتْ ، وما لذا سبب

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات