أطلال المأساة! (تزداد مأساة الغربة عندما لا يكون للغريب فيها معيناً!)

من الوجد باتَ يئن الفننْ

وفي حُزنه لوعةٌ تكتمنْ

وفي الروض أطلاله تكتوي

بنار الفراق ، وضغط الإحن

وغدر الصحاب برى عزمه

وألقى به في جحيم الأتُن

لقد خلف الغدرُ فيه الأسى

فبات – على الوهم – كالمُمتهن

سِهامُ الأباطيل في جنبه

تَفُل الحديد ، وتُردي الضنن

على الكرب أطلاله تنطوي

وأسفلها قد رأيت الشعن

أُسائل في الناس أطلاله

لتُخبرني عن ظلال الشُغُن

أُسائل ، أين حياة الورى؟

وأين النباتُ؟ وأين الصفن؟

وأين الحبايبُ من واقعي؟

وكيفَ احتوتْهم دُروبُ المِحن؟

وأين الحَليلةُ في غربتي؟

وأين الصِّغار؟ وأين الوَطَن؟

لقد فارقتنا ، وهذا قضا

وأمرُ الحياةِ هُنا مُرتجن

ولكن أعدْلٌ تمادي الشقا؟

وهل يُذهب الصَّبر هذا الشَّجن؟

ولكنْ أخيرٌ ضَياعُ الوفا؟

ويَمضي الثباتُ ، ويسري الدَّخن

وأطلالُ مأساتنا تنزوي

تُكفكفُ دمعَ الأريب الأرن

وتُغلق أبوابها فجأةً

ليرجع للشامتين الأمِن

وما عاد في بئرها شَربةٌ

فماءُ الحياةِ بها قد أسن

وجفتْ ينابيع تحنانها

عدِمْنا المُقامَ بها ، والسَّكن

وماتت من الغَّم أنوارُها

وما ذاك إلا لفرط الوهَن

ونام النفاقُ على صدرها

وجَهزَ للصادقين الكفن

وما عاد خيرٌ بها يُرتجى

لأن الفُسُوق بها مُقترن

كذا العُهر في كُل شِبر بها

وإن كان في السر ، أو في العلن

تُجاهر بالزور رَبَّ السما

وتعبدُ أصنامها ، والوُثن

وتغمر بالظلم عُبادها

وذو الدين فيها هُو الممتهن

تُروّج للدعر ، لا تستحي

وتجعل للفاسقين السُّدن

يُتاجر في الناس أوباشُها

وفي الجاهلية قومٌ عُتُن

أُسُودٌ على من يبُث الهُدى

وجَمعٌ بأوحاله مُفتتن

يُحبُّ الشياطين حُبَّ الهوى

وعن مَدحهم – قط – لا ينهدن

كأني به راتعٌ في الردى

يُحبُّ الضَّلال ، ويهوى العَفن

ويغرقُ في الزور من هزله

وإنْ في البوادي ، وإنْ في المُدُن

لذلك ، أسأل أطلالنا

لماذا تغشى النُفوس اليسن؟

لماذا الديار ترُد الهُدى؟

لماذا يُسلمها (ذو يَزن)؟

لماذا ، وقد حازها بالدما

وصارت لكل العبيد الوطن؟

وكيف غزا الجوْرُ أرحابها؟

أبعد الهُدى يعتليها الوثن؟

وكيف النفاقُ غزا قومها؟

وذو يزن باع أرض اليمن؟

وكيف الصياحُ امتطى متنها؟

أبعد الصفاء يكون الرنن؟

صِياحُ العميل أمام الورى

أيذكر حقاً؟ أيُجلي السنن؟

أيجعلُ غِراً به يهتدي

ويترك نَهج العُتاة العَفن؟

وإن العميل لفي سَكرةٍ

يبيعُ الهُدى بالمتاع النتن

يبُث الشياطين أنباءنا

ويمدحُهم بالكلام المَرن

رأى في الشياطين أعوانهُ

إلى رُكنهم لاهثاً يرتكن

وأطلالُ مأساتنا لم تُجبْ

كأني بها أصبحتْ كالجنن

ففي كل شبر لها طعنةُ

ويُشبه لون الطِعان الفدن

وفي كل صُقع صُنُوف البلا

وأقوامُها في أتون الوسن

وفي كل نادٍ مصاريعُه

رسالتهم – في الحياة – الددن

وفي كُل وادٍ عبيدُ الخنا

ويحمي الضلال الخنا بالأرنُ

وفي كُل حي ضروبُ الربا

وما كاد يَسلم منها بدن

وفي كل منحىً كئووسُ الطلا

ويشربها الطِفل ، قبل اليفن

وفي كل ثغر بُيُوت الزنا

وصار الزنا في عِداد المِهن

وفي كُل مَلهِيَ تُباع النسا

تماماً كبيعِ النياق الأُمُن

وفي كُل سُوق ترى غِيدها

يسرن بِغير الحيا كالبُدن

وفي كل قفر رجالُ الهُدى

وأطفالهم ، والنساءُ الحُصُن

وفي كل زنزانةٍ زُمرةٌ

من المُحسنين بها تُمتهن

وفي كُل تربيعةٍ فرقةٌ

من المُخلصين بها تُمتحن

وأطلال مأساتنا لم تَثرْ

وقد خالفتْ عن جميع السُّنن

وقد سلّمتْ رأسها للعمى

وأرختْ سُدىً ظهرها للقَطن

ونامت على جَنبها تنثني

ويَعبثُ في وَجنتيها الخمن

تُخبئُ في درعها جهلها

وأقدامُها دُقدقت بالخُصُن

وصُفّد فاها بأغلالها

كأني به قد علاهُ الكتن

وعينا المُعاناة لم تنظُرا

حقيقةَ هذا الأذى ، والجُنُن

وغامت بزلاتها أنفها

فلم تدر ما حجم هذي الفتن

فأدركتُ أني – هنا – مُخطئٌ

توسمت خيراً بخضرا الدمن

فناشدت ربيَ غُفرانَهُ

فما كان لي أن أسُب الزمن

لأن الزمانَ وعاءُ القَضا

وإني على مِلتي مؤتمن

ومن كان يلعنُ أيامه

فكيف على هديه يؤتمن؟

إذا كُنتُ بالدين مُستمسكاً

فذلك من طيباتِ المِنن

وأطلال مأساتنا هاهنا

تَضخ الدماء كَسُحب هُتن

وتؤذى النُفُوس بأوضاعها

وإن الزوال لأمرٌ يقِن

وإن الدُّموع سبيلُ الفنا

كما يأكل الماءُ صِبغ السُفن

لقد بلل الدمعُ أُنشودتي

وإن الجراحاتِ لم تَستكن

وقد كُنت يوماً أغيظُ العدا

فما باليَ – اليوم – أشكو الغبن؟

ولم أَكُ قطُّ أخاف الأذى

وكُنت الشُّجاع ، وكنت الشفن

وكنتُ أُحبُّ رُكوب العُلا

ولم أكُ – قط – به أُفتتن

هو الطِيبُ فوق الأماني الندى

وما كنت أحبسُهُ في الجُؤن

فكُنت أُعطرُ دَربَ المُنى

بكدح الحياة العتيّ الخشِن؟

وأحفنه ، حِفنةً حِفنةً

وأودع قلبيَ تلك الحُفن

وكُنتُ أُحطم كُل الدُّمى

وما كنتُ ألهو بعشق البثن

وكان حراماً عليَ الغرا

مُ ، فلم ترمني في الغرام الغُسن

ولم أكُ أرضى حديث الهوى

وإن كلام الهوى للخنن

فما باليَ اليوم أهجو النوى؟

وبتُّ أعاني ازدياد الشزن

فهلا عَلِمتمُ لماذا البُكا؟

لماذا من الوجد أنّ الفنن؟

وأنّ فُؤادي لذاك الفننْ

وأحزانه من ضياع الغدن

وأطلال مأساتنا ضيعتي

وأشخاصُها وجميع الثكن

تلاقوا جميعاً على شِقوتي

وأضحى جَلياً هُنا ما بطن

كأن الكلام على مَسمعي

رماحُ الأعادي بجوف الأذن

ولكنه أمرُ دَيّاننا

فسُبحان ربي عظيم المِنن

وإلا فماذا يُجلّي الورى

ويُظهر من نافقونا إذن؟

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات