أسيدوم و الهمداني.

يروى فيما مضى، أن مستشار تمويل الخزينة المالية المكنى معتز ابن تيهرت الخرساني،  و ذلك إبان الحكم الأخشميدي لبلاد العراق،  شهدت موجة عارمة بجل انحاءها، من حروب متوالية لصراع على السلطة، في كل من مصر و الشام حتى العراق، ضف إلى ذلك قرامطة البحرين الذين أغاروا على بلاد الشام منذ سنة (316ه/929م), فانتصروا عليهم في حملة طربية، و فرضوا عليهم مبلغا من المال، كما تعمد لهم الحسن ابن عبد الله بإتاوة سنوية قدرها ثلاثمئة ألف دينار، تولى المستشار معتز هذه المهمة، و صار لزاما عليه توفيرها و سدادها عند مرور الحول، و مع كل الظروف المحيطة و نقص الموارد بكل انواعها، قلت الصنعة و جفت الآبار و السواقي، و هاجر معهم السكان خوفا من الجدب.

و إذا به يشكي لوزيره أبو القاسم محمود بن المظفر المروزي محنته، و قد اشتهر هذا الأخير بمصاحبته الدائمة لأبو الفتح تاج الدين عبد الكريم ابن أبي بكر أحمد المشهور بالشهرستاني، و كانا من نفس المنطقة أي خرسان. لما سمع ما صار و مواليه، أمر لحافظ الشؤون المصرفية للخزينة المالية للدولة اسماعيل بيك ابن مسعود بمقاطعة  قرب أفغانستان بتولي مهمة إمداد كبيرة، فأرسل معه معونة ضخمة عبر قافلة سافرت شهورا عديدة، و عبرت صحراء العرب إلى أن وصلت المدينة، و من محاسن الصدق أنها كانت أول ليلة من ليالي شهر رمضان المعظم، فاستبشر الناس خيرا، و اسرعوا تباعا للديوانة لحجز أدوارهم هناك و أخد نصيبهم من القافلة المرسلة خصيصا لهم، و من بينهم كانت هناك عجوز سديم و حفيدة لها يقال لها أسيدوم، لما حان دورهما كانت المؤونة قد نفذت و لم يتمكنتا من أخذ أي منها، فحزنت كل منهما مما حصل و عادتا للبيت صفر اليدين، و كانت ساعات السحور و البطن خاوي فيا حسرتاه لمصابهما.

طرق الباب ففتحت الفتاة، و إذا به ملثم الوجه يضع زادا وفيرا و ينصرف مسرعا بلا حديث معها، فرح أهل البيت و سحرا يومذاك، و مرت الأيام حتى يحدث أن تصاب أسيدوم بوعكة صحية تطرحها فراشا، فتولت العجوز تطبيبها لولا أن ساءت حالتها وفقدت الوعي نهائيا، و لما استفاقت من غيبوبتها ، يا الله! وجدت نفسها في غرفة ملائكية، من سرير فاخر و أثاث من الديباج و العاج وما يسر، تعجبت الفتاة و ظنت أنها تحلم ، فجأة يدخل عليها شاب جميل الطلعة، لم تعرفه و لم تشأ أن تكلمه، لكنه ابتسم لها وقال ممازحا: مرحبا بك يا خلة، و ها أنا ذي قربك, قالت: و من تكون و أين أنا يا الله، فقال لها:

أيا محياك قد سلب مني المنام ..

و لولاك لما ذقت معنى الهوا ..

ما إن سمعت هذين البيتين حتى ابتسمت و قالت: أهلا بالفارس الهمداني، الذي ما ضننت لقياه مجددا، أيا زمان السهاد قد ولى و ما درى إلانا يا هنا. فما قولك من هذا الحديث؟

فأقول: أما عرفت يا أختاه أن العاشقين قد كتب لهما اللقاء رغم بعد الزمان وقهر العزال.يا مرحى للعرسان و قد صارا معا، إنها رحمة الله و رأفته بعباده بعد صبر و طول انتظار.







Recommended1 إعجاب واحدنشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات