أبجديات شعرية عاطفية! 1

الشعرُ يُخرجُ ما – في القلب – يختبئُ

حتى يُشَفى عن الخواطر الخبءُ

وكم يزيد مَعينَ العقل تبصرةً!

فلا تراه – إلى الأوهام – يلتجئ

وكم يُلاحي لتُجْلى كلُ داجيةٍ!

لأنه بسنا الشعور يدّرئ

وكم يناضلُ في سِر وفي علن

بجُعبةٍ بسِهام الحق تمتلئ!

وكم يُشَخِّص داءاتٍ وأدوية

فيها يُصيبُ ، وقد ينتابُه الخطأ!

وكم يُلمّعُ غاياتٍ ويُتحِفها

من بعد أن نالها ببأسه الصدأ!

وكم يُزيلُ دياجيراً تسربلنا!

هل بالدياجير وهجُ النور ينطفئ؟

وكم يُعَبّئُ طاقاتٍ ويَشحذها!

وقبلُ كانت تني طوعاً وتهترئ

رصيدُ تجربةٍ كانت مُغيّبة

فلم تعدْ – في سُويدا القلب – تختبئ

ما صادقُ الشعر إن قِسْنا ككاذبه

إلا إذا اشتبه الغسّاق واللبأ!

والشاعرُ الحق مَن يسمو به الأدبُ

فعنده – لِسَنا الفضائل – الغلبُ

يُثري القريضَ بما يُزجيه مِن دُررٍ

يرجو الثواب مِن المولى ، ويحتسب

ولا يُسَخِرُ – في الإسفاف – موهبة

إذ ليس يَصرفه – عن جَده – اللعب

لا وصفَ غانيةٍ يُودي بهمّته

وكيف يهزل مَن – للشرع – ينتسب؟

ولا يُطوّع – للطغيان – ما كتبتْ

كَفٌ بتقوى إله الناس تختضب

ولا يُدَشّنُ ، فالتدشينُ مَخبثة

يهواه قومٌ – إلى الرذائل – انجذبوا

ولا يُرائي بأشعار مزوّرة

قِوامُها الزيفُ والتمويهُ والكذب

ولا يتاجر بالأبيات ما احترمتْ

ديناً ولا قِيماً ، إذ عافها الأدب

لكنْ يَذودُ عن الأخلاق مُحترباً

وكلُ شهم – لأجل الخُلق – يَحترب

مستعذباً كل ما يلقاه في فرح

كأن سامرَه – في المِحنة – الطرب

ما الشعرُ إن صاغه حُثالة بُهُتُ

مِن الشريعة والفضائل انفلتوا؟

عزيفهم لا يساوي الحِبرَ خط به

منذ استجابوا إلى الشيطان ، وانتصتوا

وأوغلوا السيرَ في متاهةٍ برئتْ

مِن العفاف ، إلى أن شابها العَنت

فأفسدوا الناسَ والأمصار قاطبة

وعمّ أرضهُمُ البلاءُ والقلت

وتلك عُقبى الألى باعوا ضمائرَهم

وللمفاسد والقبائح التفتوا

ما الشعرُ إن طفحتْ فسقاً قصائدُه

وبات عمداً – على الإسلام – يفتئت؟

وما اكتفى – بخِلال الشر – يُشعلها

ناراً على أمّة التوحيد تنكلت

ولا اكتفى بالذي ألقاه من شُبَهٍ

بين الخلائق يُزكِي وهْجَها العَتت

ولا اكتفى بمبادي الكفر رَوّجها

جبراً وقهراً على أيدي الألى بُهِتوا

ليَذهبِ الشعرُ إن غارتْ طلاوته

وليَخسأ القومُ – عن تفنيده – سكتوا

كم من قصائدَ منها النور ينبعثُ!

جلتْ ، فليستْ- لمَا يشينُ – تمترثُ

نأت عن الشر والسوأى ، فما انحدرتْ

إلى الحضيض ، فما أرزى بها الخبث

واستشرفتْ لجليل اللفظ تنسجُه

ثوباً يُغرّد – في طياته – الحدث

وصورتْ ما ارتأى ضميرُ شاعرها

وزانها – في الأداء – الحب والخوث

وعندما أنشدتْ – في الناس – تاق لها

كلُ الكِرام وجَدّوا ، فانجلى العبث

فأورثتهم مِن الجمال أطيبَه

فلم يُمِلهم – عَن الفضائل – الرفث

وهيّجتْ – لخِلال الخير – مَن أخِذوا

بما احتوته – مِن الضياء – ينبعث

وسطرتْ – في قلوب الناس – ملحمة

تفوقُ خندمة ، يقودُها البعث

قصائدٌ تمنح الحياة فاقدها

كما تحِنّ – إلى المعيشة – الجُثث

وإنما ثلثا أفكارها قِيمٌ

واللفظ والوزن والبلاغة الثلث

وكم قصائد أملاها الألى هرجوا

من بعد أن جَرّهم – للباطل – الهَوَجُ!

وأخلدوا جُملة إلى جهالتهم

كأنهم بالذي تكلفوا ابتهجوا

وأغلبُ الناس – بالأشعار – قد فتِنوا

وللجميع – لدى تبريرهم – حُجَج

كيف استباح الألى خطوا قصائدهم

أخلاقَ شِرعتنا ، أولئك الهمَج؟

صاغوا التهتك أشعاراً مزركشة

وبالأباطيل هم على الورى خرجوا

كيف استمالوا الغثا لنصر باطلهم

ولقنوهم مواويلاً بها لهجوا؟

هذي الأهازيجُ مهما دفّ مُنشدُها

لها ، فمنها وربّي يبرأ (الهزج)

وكم – على الشعر – مرّتْ شرُ أزمنة!

وكان منها أصيلُ الشعر يَختلج

وكبلتْ أزمة إبداعَ كوكبةٍ

مِن الأباة ، متى يا قوم تنفرج؟

وكابدَ الشعرُ حتى غصّ رونقه

بما يُلاقيه حتى طالتِ الحِجج

والكل يشكو ، وبالتبرير يَفتتحُ

ويستهين بما قد عاش يَجترحُ

فشاعرٌ نافقَ الطاغوتَ مُنتظراً

منه النوالَ ، فبئسَ النولُ والمنح!

وشاعرٌ ناولَ الفسّاق أغنية

فيها يُرَوّجُ للسوآى ، ويَمتدح

وشاعرٌ باعَ – للشيطان – ذمته

فشعرُه اليومَ فجٌ مُقرفٌ وقح

وشاعرٌ – في هوى النسوان – منجدلٌ

أودى به العِشقُ والغرامُ والمَرح

وشاعرٌ حَبّرَ الأوزانَ صادية

هذا (طويلٌ) ، وهذا بعدُ (مُنسرح)

وشاعرٌ جندَ الأشعارَ طيّعة

في حرب مَن ناوأوا الضلالَ ، أو نصحوا

وشاعرٌ في سبيل المال أطلقها

دعاية بالقريض الغث تتشح

وشاعرٌ كأسُه – بالرجز – مُترعة

وهزله – في بقاع الأرض – مُفتضح

فيم التشاكي وهم باعوا ضمائرهم؟

وهل يُنالُ بما هم أحدثوا فلح؟

إني لأعجب مِن باغ ويَصطرخ

ولكنة عَجمتْ شكواه ترتضخ

أصادقٌ هو في دعوى يردّدها؟

أم كاذبٌ وعليه الأمرُ يبتلخ؟

كم يدّعي الطهرَ مَن خاست سريرته

وقلبه – بقتام الإفك – متسخ!

كيف استكان لمَا حاكتْ هواجسُه

مِن التخرّص – بين الناس – يرتسخ؟

لم يَرجُم الشعرَ إلا أهلُ صنعته

من الذين – لأصحاب الهوى – رضخوا

فقدمّوه لهم قربانَ طاعتهم

كأنهم – مِن هُدى الشريعة – انسلخوا

واستخدموه سيوفاً يذبحون بها

قوماً بآنافهم – ضد البلا – شمخوا

وبعد أن شقيتْ بهم شبيبتنا

وردّدوا كل ما أهلُ الخنا نسخوا

جاء الجميعُ بآهاتٍ مجلجلةٍ

ومَن غوى والذي أغوى الورى اطرخوا

وهم بما ارتكبوا ، خطوا نهايتهم

فما استدام لهم عِز ولا بَذخ

حتى الشواعرُ في الفوضى لهن يدٌ

كأنهن – بساحات الوغى – أسُدُ

أنشدن ما يفسد الدنيا بلا خجل

فشِعرُهن – إلى الأخلاق – يفتقد

والدُورُ تشهدُ ، والشاشاتُ شاهدة

وليس ينكرُ ما أقوله أحد

والأمسياتُ بما ذكرتُ ناطقة

إني – على كل ما تزجيه – أعتمد

مِن كل حسناءَ تُبدي حُسنها طمعاً

فيما تؤمّلُ ، أين الوعيُ والرَشَد؟

وكيف تظهرُ – للدنيا – مفاتنها

وفي التزيّن بالمكياج تجتهد؟

ألا تغار – على الحريم – كوكبة

مِن الرجال – بفرط الغيْرة – انفردوا؟

ما قيمة الشعر إن ألقته غانية

تُهدي تبرّجها لمن له سجدوا؟

وكيف تدعو إلى خير تخالفه

وإن تكن – للذي نحياه – تنتقد؟

إني أراها – بهذا الطرح – كاذبة

خاب التخرّصُ والتدليسُ والفند؟

إن التهتك – بين الصِيد – منتبذُ

وليس يعجبُ إلا مَن به أخِذوا

وكم تبذلَ – في الأشعار – مُرتزقٌ

خالي الوفاض ، فما في كيسه قذذ!

فراح يُسرفُ – في التشبيب – مبتذلاً

إذ غاله قدمُ الهيفاء والفخِذ

بضاعة رخصتْ في سوق مَن سفلوا

وكل مَن يشتري يَخزى ويُنتبذ

والدِينُ يَعصمُ مَن يأوي لشِرعته

وفي التقى والعفاف النجوُ والنقذ

ويخذلُ اللهُ مَن – بالباطل – التحفوا

ولهواً الآيَ والحنيفة اتخذوا

لو أحسنوا القصدَ ما ضلوا ، ولا ارتكسوا

ولا الضلالاتِ مِن أعدائهم شحذوا

واللهُ ناصرُ مَن طابت سرائرُه

وعند رب الورى – للحائر – العوذ

فأصلِحوا أيها العادون ، والتمسوا

رضا الملك ، وبالنصح النبيل خذوا

ونحن ننتظرُ الأشعار داعية

إلى الرشاد به يَسترشدُ الفلذ

مازال شعرُ الخنا يُغري الألى مَكروا

بنا ، فهم – بالذي صاغ – الغثا انبهروا

وعيّرونا بما صغتم بدون حيا

مِن القصائد منها القلب ينفطر

تثيرُ في الناس إن – قِيلتْ- غرائزهم

حتى تظل – مِن اللهيب – تستعر

ولا تخاطبُ – في الآنام – عاطفة

إلى المبادئ والأخلاق تفتقر

ولا تصحّحُ مفهوماً بأدمغةٍ

قد استقرّ ، وفيه الشر والضرر

ولا تجدّدُ فِكراً – في القلوب – ثوى

وكم تصِحّ – إذا ما جدّدَتْ – فِكَر!

ولا تُغيّر أوضاعاً تزلزلنا

مضى على مُكثها – في دارنا – عُصُر

ولا تُبَصّر مَن ضلوا بمنهجهم

حتى يُقيموه في الدنيا ، وينتصر

ومِن هنا قالها الأعداءُ معلنة

أنا – إلى دَرَكِ السفول – ننحدر

فهل تفيقون مِن كيدٍ يَحيقُ بنا؟

أم غرّكم بالذي سطرتمُ السكَر؟

إني أهيبُ بكم ، فالفرصة انتهزوا

وأدّبوا شِعرَكم ، وبعدها ارتجزوا

فإن فعلتم سيُطري الشعرُ سامرَكم

ويَحتفي بكمُ (البسيط) و(الرجز)!

وينشدُ الجيلُ مُعتزاً قصائدَكم

جَلّ القريضُ – على التوحيد – يرتكز

وتحصدون مِن الألقاب أعذبها

وتفحمون الألى – عن ظلها – عجزوا

وتقتدي بكمُ الأجيال واعدة

ويستعينُ بكم مَن – للذرى – برزوا

وتُصبحون – لمن رامَ الهُدى – هدفاً

لقد يكون – إلى أشعاركم – عَوَز

وتؤجرون – على الأشعار – سَجّلها

قومٌ مغاوير ما نمّوا ، وما لمزوا

وما استبدّوا بآراءٍ مُدمرةٍ

وما استطالوا على قوم ، وما غمزوا

وما استباحوا – مِن الأعراض – أشرفها

وما استحلوا حِمى قوم ، وما همزوا

ولم يخطوا – لأجل المال – ما ارتجلوا

من القريض ، وما حازوا وما كنزوا

كم سجّل الشعرُ مِن أنباءَ تُلتمَسُ

منها الأحاديثُ ، والأحداثُ تقتبسُ!

كم احتوى مِن تواريخ الألى سبقوا!

وبالتواريخ – عند البحث – يُؤتنس!

وكم وقائعَ بالأشعار قد حفظتْ!

لولا القريضُ لكان النصّ يندرس!

وكم – به – نصِر الإسلامُ في ملأ

في النيل منه ومن أحكامه انغمسوا!

وكم به ذاد (حسانٌ) بلا وجَل

عن النبي ، فهذا شاعرٌ مَرس!

صدّ الأعاديَ بالأشعار صاعقة

لكل بيتٍ سنا ، كأنه قبس

وسلّ مما افترَوْا ظلماً (محمدَنا)

فكابدوا سَلّهُ بالكاد ، وابتأسوا

وكان جبريلُ روحُ القدس ناصرَه

بعد المليك بإرشادٍ له أسس

بدعوة مِن رسول الله خالصةٍ!

الشعرُ فجْرٌ بها أيّانَ ينبجس

وهل كمثل دُعا النبي مَكرُمة؟

طابَ النبيّ! وطابَ اللفظ والنفس!

وكم قضايا بساط الشعر تفترشُ

بها يزولُ – عن البصائر – الغبَشُ!

وكم علوم عِيارُ الشعر زللها

وكلُ تال – لِمَا تحويه – يندهش!

وكم مواقفَ نظمُ الشعر حَجّمَها

عن التشعّب ، فيها الطغمة احتمشوا!

وكم مشاكلَ بالشعر النديّ مَضتْ

والقومُ بعدَ مُضِي الغمّة احترشوا!

وكم علائقَ قوّى الشعرُ واهنها

فأصبحتْ – في رياض الشعر – تنتعش!

وكم عُرىً نُقِضَتْ مِن بعد قوّتها

والشعرُ أرجعَها بالحب تنتفش!

وكم بقاع غزاها المُعتدون ضحىً

واستسلمتْ أممٌ ، وأزهقتْ عُرُش!

فاستبسل الشعرُ في استرجاع ما غصبوا

وخاف – مِن هوله – المستعمرُ الوبش

وكم لأجل البطون احتجّ مَن حُرموا!

كم يُحرجُ الهازلين الجوعُ والعطش!

فأشبع الشعرُ مَن – للعزة – انتفضوا

فهم بشِعر الإبا أمجادَهم نقشوا

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات