وَدّعتُ دمشقَ

-١-

كلّما تذكرتُ دمشقَ 

أبكي

أبكي حبيبتي

أبكي الوداعَ

أبكي بردى

أبكي الشّوارعَ

والأزقّةَ

والياسمينَ

والليالي الطويلةَ

والأرصفةَ الباردة

“ودَّعتُ دِمشقَ”

وأنا أحدِّثُ نفسيَ

المنفيةُ الضائعةُ دونها

بتُّ أحدثني وكأني

واحداً غيري

واحداً لستُ أعرفهُ: 

عشرونَ عاماً 

عشرونَ حزناً 

عشرونَ خيبةً…

عشرونَ موتاً…

وحياةً واحدة!

حبيبةٌ واحدة!

قبلةٌ واحدة!

وردةٌ واحدة!

ومئاتُ الدّباباتِ!

وآلافُ البنادقِ!

لماذا؟!

لمن أقولها؟!

لي؟!

لوطنٍ مكتض بالطعنات؟!

لأبي؟!

لأمي؟!

-٢-

منفيٌ أنا يا حبيبتي وخائف

أخافُ أن ينتهي العالم

ويموتَ قلبي وحيداً مثلي

أخافُ أن ينتهي العالم

ويبقى

هناكَ

بعيداً

بعيداً – في دمشقِ – قلبي

أخافُ يا حبيبتي

أن أموتَ قبلَ أن ينتهي العالم

-٣-

هنا يا حبيبتي

الموتُ بالمجّان

هٰهنا

ندفعُ

ثمنَ الحياةِ

ثمنَ الهواءِ

ثمنَ الماءِ

ثمن الكلمة

ثمن الابتسامةِ 

والدمعةِ

والحروبَ

ثمنَ كلَّ شيءٍ

ونأخذُ موتاً مجانياً 

وتذكرة نحو المنفى وكفناً

كيف أعيشُ يا حبيبتي هنا

وأنا جلّ ما أملكُ قصيدةَ حبٍ

وورقةً وقلمًا وكتاب

وراتبي لا يسد

ثمن القهوة

والجرائد

والخبز

كيف أعيش هنا وأنا لا أملك ثمن شيء سوى موتي

أخاف يا حبيبتي أن أموت

لكن أتمنى الموت أحياناً

ودمشق تلك البعيدة

وحدها من تستطيع أن تحمل عني كل هذا الخراب

والتعب

الجوع

الحزن

الألم

وحدها دمشق من تستطيع

لكنها مثلكِ

بعيدةٌ

بعيدةٌ

بعيدة

Recommended1 إعجاب واحدنشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات