ذاتٌ حقيرة

– إن إنعدام تقدير الذات واحترامها يهوي بالإنسان ويقوده إلى أساليب متطرفة لإثبات نفسه وللحصول على الإحترام من الغير؛ غير مدرك لوجوبه هو نفسه بأن يفعل ذلك في بداية الأمر.

فإن كان الإنسان يقلل من شأنه ويحتقر ذاته، فبأي حقّ يريد من غيره أن يحترموه ويقدّروه، إن لم يكن يرى لنفسه أهمية لماذا يريد من غيره أن يجدوا فيه ذلك، و إن لم يكن يحترم كلمته فالغير ليسوا خاضعين لإحترام كلمته، وإن كان منعدم الثقة بنفسه فالحري بالغير أن لا يثقوا به!

و بقول واضح التعبير إن لم يتقبل الإنسان ذاته، فلا يلومنّ غيره إن لم يفعلوا ذلك، والناس على حق في ذلك، فمن هذا المنظور يكون الإنسان قد خسر أحقيةً و مؤهلاً لإستحقاق التقدير والقبول من محيطه.

و بتعبير يبيّن أحقية التأهيل والقبول من الغير، تقول أحلام الخالد :

” إن لم تستطع أن تُحب نفسك كما هي، فليس على من لا يقبلونك للائمة، مات نارسيس و هو ينظرُ إلى انعكاس وجهه على النهر فأزهرت مكانه نرجسة، أنت الذي لا تتحمل رؤية وجهك في مرآة ذاتك، أي زقّومٍ ستُنبِتُ جثتك.

و لكم أن تتخيلوا من هذا الإنسان المنعدم الحب والتقدير لنفسه لسان حاله يقول :ها أنا وأمامكم إذ لا أقدر نفسي ولا أحترمها ولا أطيق رؤيتها… فهيا أحبوني.. هيا.. قدروني هيا.. أترونني، أتسمعونني!

فلا يجيبه أحد، ليشعر بعدها وكأنه حتى لا يستحق بأن يكون لديه شعور ولا يستحق الحياة أساسا، ثم يهوي معبرا عن كره ذاته بإيذاء نفسه مسببا الأضرار الملحوظة ليحظى بقليل من الإهتمام وكثيرون هم من لا يجدون هذا الإهتمام أو من يلاحظهم أساسا.

سيغضب هذا الإنسان من نفسه ، سيلقي كل الملائم على نفسه بلا أي هوادة، مفرطا بالحساسية حتى من أصغر التفاهات و الهفوات؛ حتى يهوي إلى الضنك و البؤس بالأنين والنواح.

و يصلح للإسقاط هنا قول الرائع دوستويفسكي على لسان مارميلادوف السكير المهان مع راسكولينكوف في حوارهم داخل الحانة :

إذا كنت في البؤس فإنك لا تُطرد من مجتمع البشر ضربًا بالعصا، بل تُطرد منه ضربًا بالمكنسة، بغية إذلالك مزيدًا من الإذلال؛ و الناس على حق في ذلك، لأنك في البؤس أول من يريد هذا الذل لنفسه بنفسه.

الإنسان هو من يعطي و يسلب استحقاقه للتقدير والإحترام من الغير بمنظوره لنفسه، و العلاقة هنا طردية فإن كان مقدرا ومحبّا لذاته كان له ذلك من الناس، و إن لم يكن كذلك، كان له ذلك من الناس؛ فإن زاد زادَ الناس عليه.

— مصطفى شحادة