بديع الزمان الهمذاني – المقامة الكوفية

شارك هذه المقامة الأدبية

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا فَتِىُّ السِّنِّ أَشُدُّ رَحْلِي لِكُلِّ عَمَايَةٍ، وَأَرْكُضُ طِرْفَي إِلَى كلِّ غِوَايَةٍ، حَتَّى شَرِبْتُ مِنَ العُمْرِ سَائِغَهُ، وَلَبِسْتُ مِنَ الدَّهْرِ سابِغَهُ، فَلَمَّا انْصَاحَ النَّهَارُ بِجَانِبِ لَيْلَى، وَجَمَعْتُ للمَعَادِ ذَيْلي، وَطِئتُ ظَهْرَ المَرُوضةِ، لأداءِ المَفْرُوضَةِ، وَصَحِبَني فِي الطَّريقِ رَفيقٌ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ سُوءٍ، فَلَمَّا تجَالَيْنا، وَخَبَّرْنا بحالَيْنا، سَفَرَتِ القِصَّةُ عَنْ أصْلٍ كُوفيّ، وَمَذْهَبٍ صُوفِيّ، وَسِرْنا فَلَمَّا أَحَلَّتْنا الكُوفَةُ مِلْنا إِلى دَارِهِ، وَدَخلْنَاهَا وَقَدْ بَقَلَ وَجْهُ النَّهَارِ وَاخْضَرَّ جَانِبُهُ وَلَّما اغْتَمَضَ جَفْنُ اللَّيْلِْ وَطَرَّ شَارِبُهُ، قُرِعَ عَلَيْنا البابُ، فَقُلْنا: مَنِ القارِعُ المُنْتابُ؟ فقالَ: وَفْدُ اللَّيْلِ وَبَريدُهُ، وَفَلُّ الجُوعِ وَطَريدُهُ، وَحُرُّ قَادَهُ الضُّرُّ، والزَّمَنُ المُرُّ، وَضَيْفٌ وَطْؤُهَ خَفيفٌ، وَضَالَّتُهُ رَغيفٌ، وَجَارٌ يَسْتَعْدِى عَلى الجُوعِ، وَالجْيبِ المَرْقُوعِ، وَغَرِيبٌ أَوقِدَتِ النَّارُ عَلى سَفَرِهِ، وَنَبَحَ العَوَّاءُ عَلَى أَثَرِهِ، وَنُبِذَتْ خَلْفَهُ الحُصَيَّاتُ، وَكُنِسَتْ بَعْدَهُ العَرَصاتُ، فَنِضْوُهُ طَليحٌ ، وَعَيْشُهُ تَبْريحٌ، وَمِنَ دُونِ فَرْخَيْهِ مَهَامِهُ فِيحٌ.

قَالَ عِيسى بْنُ هِشَامٍ: فَقَبَضْتُ مِنْ كِيسي قَبْضَةَ اللَّيْثِ، وَبَعَثْتُها إِلَيهِ وَقُلْتُ: زِدْنا سُؤَالاً، نَزِدْكَ نَوَالاً، فَقَالَ: ما عُرِضَ عَرْفُ العُودِ، عَلى أَحَرَّ مِنْ نَارِ الجُودِ، وَلا لُقِيَ وَفْدُ البِرِّ، بأَحْسَنَ مِنْ بَريدِ الشُّكْرِ، وَمَنْ مَلَكَ الفَضْلَ فَلْيُؤَاسِ، فَلَنْ يَذْهَبَ العُرْفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ، وَأَمَّا أَنْتَ فَحَقَّقَ اللهُ آمَالَكَ، وَجَعَلَ اليَدَ العُلْيا لَكَ.

قَالَ عِيسى بْنُ هِشامٍ: فَفَتَحْنا لَهُ البَابَ وَقُلْنا: ادْخُلْ، فَإِذا هُوَ وَاللهِ شَيْخُنا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَريُّ، فَقُلْتُ: يا أَبَا الفَتْح، شَدَّ مَا بَلَغتْ مِنْكَ الخصَاصَةُ. وَهذَا الزِّيِّ خَاصَّةٌ، فَتَبَسَّمَ وَأَنْشأَ يَقولُ:

لاَ يَغُـرَّنَـكَ الـذِي *** أَنَا فيهِ مِنَ الطَّلَـبْ

أَنَا فِي ثَـرْوَةٍ تُـشَ *** قُّ لَهَا بُرْدَةُ الطَّرَبْ

أَنَا لَوْ شِئْتُ لاَتَّـخَـذْ *** تُ سُقُوفاً مِنَ الذَهَبْ

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مقامات
تابع عالم الأدب على الشبكات الاجتماعية
بديع الزمان الهمذاني

بديع الزمان الهمذاني

أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد المعروف ببديع الزمان الهمذاني ، (358 هـ/969 م - 395 هـ/1007 م)، كاتب وأديب من أسرة عربية ذات مكانة علمية مرموقة استوطنت همدان وبها ولد بديع الزمان فنسب إليها، يعتبر كتاب المقامات أشهر مؤلفات بديع الزمان الهمذاني الذي له الفضل في وضع أسس هذا الفن وفتح بابه واسعاً ليلجه أدباء كثيرون أتوا بعده.

اقرأ أيضاً:

بديع الزمان الهمذاني – المقامة الناجمية

المَقَامَةُ النَّاجِمِيَّةُ حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: بِتُّ ذَاتَ لَيْلةٍ في كَتِيبَةِ فَضْلٍ مِنْ رُفَقَائِي، فَتَذَاكَرْنَا الفَصَاحَةَ، وَمَا وَدَّعْنَا الحَدِيثَ حَتَّى قُرِعَ عَلَيْنَا البَابُ، فَقُلْتُ:

بديع الزمان الهمذاني – المقامة الأرمنية

حدَثَّنَاَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ تِجَارَةِ إِرْمِيِنِّيَة أَهْدَتْنَا الفَلاَةُ إِلَى أَطْفَالِهَا، وَعَثَرْنَا بِهِمْ فِي أَذْيَالِهَا، وَأَنَاخُونَا بِأَرْضِ نَعَامَةٍ، حَتَّى اسْتَنْظَفُوا حَقَائِبَنا، وأَرَاحُوا

بديع الزمان الهمذاني – المقامة الأهوازية

حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت بالأهواز، في رفقة مَتَى مَا تَرَقَّ العَيْنُ فِيهِمْ تَسَهَّلِ، لَيْسَ فِينَا إِلاَّ أَمْرَدُ بكْرُ الآمالِ، أَوْ مُخْتَطُّ حَسَنُ الإِقْبالِ،

اخترنا لك هذه مجموعة من الاقتباسات الشعرية الملهمة:

شعر ابن المقرب العيوني - ولست بيهوف يرى رأى عرسه

شعر المتنبي – ومن تفكر في الدينا ومهجته

تَخالَفَ الناسُ حَتّى لا اِتِّفاقَ لَهُم إِلّا عَلى شَجَبٍ وَالخُلفُ في الشَجَبِ فَقيلَ تَخلُصُ نَفسُ المَرءِ سالِمَةً وَقيلَ تَشرَكُ جِسمَ المَرءِ في العَطَبِ وَمَن تَفَكَّرَ

شعر علي بن أبي طالب - إنما الدنيا كظل زائل

شعر علي بن أبي طالب – إنما الدنيا كظل زائل

إِنَّما الدُنيا كَظِلٍ زائِلٍ او كَضَيفٍ باتَ لَيلاً فَاِرتَحَل أَو كَطيفٍ قَد يَراهُ نائِمٌ اَو كَبَرقٍ لاحَ في أُفْقِ الأَمَل Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في أبيات

قصائد ودواوين شعر قد تعجبك أيضاً:

ديوان ابن الساعاتي
ابن الساعاتي

قد اغتدى والصبح عاري المطلع

قد اغتدى والصبح عاري المطلع بأصمع القلب حديد المسمع مؤلل الأنياب احوى المدمع كأنما علت بسم منقع يمرق من جلد الظلام الأسفع أخذ نجوم الليل

ديوان كثير عزة
كثير عزة

أأطلال دار من سعاد بيلبن

أَأَطلالُ دارٍ مِن سُعادَ بِيَلبَنِ وَقَفتُ بِها وَحشاً كَأَن لَم تُدَمَّنِ إِلى تَلَعاتِ الخُرجِ غَيَّرَ رَسمَها هَمائِمُ هَطّالٍ مِنَ الدَلوِ مُدجِنِ عَرَفتُ لِسُعدى بَعدَ عِشرينَ

ديوان علي بن أبي طالب
علي بن أبي طالب

يا حبذا مقامنا بالكوفه

يا حَبَّذا مَقامُنا بِالكُوفَه أَرضٌ سواءٌ سَهلَةٌ مَعروفَه تَطرُقَها جِمالُنا المَعلوفَه عِمي صَباحاً وَاسلَمي مَألوفَه Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في ديوان علي بن أبي طالب، شعراء

لا يمكن حفظ اشتراكك. حاول مرة اخرى.
لقد تم اشتراكك بنجاح.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك كل جديد

كن متابعاً أولاً بأول، خطوة بسيطة لتصلك شروحات وقصائد بشكل اسبوعي

تعليقات

الاعضاء النشطين مؤخراً