المَقَامَةُ البَيْشِيَّةُ العَتِيْقَة

المَقَامَةُ البَيْشِيَّةُ العَتِيْقَة - عالم الأدب

فِي ليلةٍ مِنْ ليالي “بَيْشَ” الهادِئة ..

بعدَ قراءةٍ في مقاماتِ بديعِ الزَّمانِ الهمذانيّ ومقاماتِ الحريريّ، قالتْ لي والدتي -حفظها الله- لو ذهبتَ بي إلىٰ فلانة أزورها، فقلت لها: لا بأس، وذهبتُ أحُمِّي السيَّارةَ وانتظرُ قدومها، وأثناء ذلك نظرتُ وإذا بالحيِّ خالٍ إلا مِنْ قطٍّ نائم أو صوت طفلٍ يأتي مِنْ بعيد مِنْ خلفِ تلكَ الرَّدائم، فنظرتُ إلىٰ السَّماء وإذا بالجوّ غائم، والوادي مِنْ خلفنا تهبُّ مِنْهُ النَّسائم.

فتذكَّرتُ الحكايات القديمة التي كانوا يحكونها لنا ونحنُ صبيان، عَنِ الوادي وما فيهِ مِنَ الهوائشِ والجان، فأخرجتُ دفتري وكتبتُ:

فِي زَمَنٍ مِنَ الأزْمَان، نَزَلْتُ وَادِيَاً مِنْ أَوْدِيَةِ جَازَان، يُقَالُ لَهُ “وَادِي بَيْش” ، وقَدْ كَثُرَتِ الأسَاطِيْرُ عَنْ ذَاكَ المَكَان، بأنَّ فِيْهِ حَيَّاً مِنْ أحْيَاءِ بَنِي الجَان:

نَزَلْتُ بِهِ لَيْلَاً وقَدْ كَانَ وقْتَمَا

نَزَلْتُ بِهِ لَا ضَوْءَ يُضْوِي ولَا بَدْرُ

فسَمِعْتُ مُنَادِيَاً يُنَادِي ولَا أرَاه:

يَا نَازِلَاً حَيَّ الجُنُونِ ألَا تَرَىٰ

حَيَّاً تَحَامَتْهُ الجُدُوْدُ الأوَائلُ

حَيَّاً بوَادِي بَيْشَ تَهْجُرُهُ الوَرَىٰ

قَدْ حَالَ بَيْنَهُمَا مِنَ الحِنِّ حَائلُ

فأجَبِتُه:

يَا صَارِخَاً بالضَّيْفِ تَزْجُرُهُ ألَا

تَخْشّىْ المَسَبَّةَ مِنْ أهْلٍ ومِنْ جَارِ ؟

هَلْ هَكَذَا يَا جِنُّ تُقْرُوْنَ ضَيْفَكُم

أفَلَا تَرَوْنَ جَلَالَتِي ووَقَارِي !؟

فقَالَ: هَلْ أنْتَ العَتِيْق؟ فقُلْتُ: نَعَم، بشَحْمِهِ ولَحْمِهِ ودَمِه، فقَال:

أهْلَاً بِهِ، مِنْ نّّازِلِ

فِي أشْرَفِ المَنَازِلِ

فِي أرْضِ جِنِّيٍّ بِهَا

زَلَازِلِ الزَّلَازِلِ

فقُلْتُ: يَا جِنِّيُّ هَلْ

لَنَا بأرْضِكُمْ مَحَلّْ

نَبِيْتُ فِيْهِ لَيْلَنَا

إلَىٰ الصّّبَاحِ أو نَظَلّْ

فقَالَ: بَلْ لَكُمْ هُنَا

دَارُ سُعَادٍ وهَنَا

أهْلَاً وسَهْلَاً مَرْحَبَاً

يَا ضَيْفُ دَارُكُمْ هُنَا

فَبِتُّ لَيْلّتِي تِلْكَ فِي حَيِّهِم، ولكِنِّي لَمْ آكُل مِنْ طَعَامِهِم ولَمْ أشْرَبْ مِنْ شَرَابِهِم، ولكِنَّ الجِنِّيَّ الَّذِي أضَافَنِي قَدْ عَلِمَ حَالِي ومَا يَدُوْرُ فِي بَالِي، فَأحْضَرَ لِي طَعَامَ الإنْسِ فتَعَشَّيْتُ ونِمْتُ نَوْمَاً هَنِيْئاً وعِنْدَمَا اسْتَيْقَظْتُ لَمْ أرَ شَيْئاً مِنْ تِلْكَ المَدِيْنَة العَظَيْمَة الَّتِي كُنْتُ قَدْ رَأيْتُهَا لَيْلَةَ البَارِحَة، لَمْ أرَ سِوَىٰ “العَرْجَ” و “الدَّوْمَ” و “الزُّبُرَ” ومجرىٰ السّّيل.

لَمْ أكُنْ فِي حُلُم، ولكِنَّهُم إذَا جَنَّ اللَّيْلُ يَظْهَرُوْن وإذَا أشْرَقَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ يَخْتَفُوْن.

#العتيق ؛ علي بن شامي.

Recommended2 إعجاباننشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات