العيشمونة والباشا العثماني.

عرفت العيشمونة الملقبة بالسنيورة، ذات القد الممشوق و العيون البلورية الداكنة، و كذا شدة الفراسة و تنبؤها بقدوم الخطر زمن الثورة العربية الكبرى ضد الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر(19م). و قبل اعلان الانتفاضة بسنة قبلها، كانت قد أنذرت قومها بقدوم حدث كبير سيغير مجرى الحياة بالبلدان العربية، التي كانت لا تزال تحت حكم السياسة القمعية لجمال باشا الحاكم العسكري للولايات السورية العثمانية.

و قد بلغت مسامع الرجل الحاكم ما تخطط له الأعراب للتخلص من ظلمه و جبروته، فاجتمعت سنة 1915م لجنة رفيعة المستوى بقصره الملكي، و ذلك من أجل مناقشة قضية المجاعة التي انتشرت بالخليج العربي، و بالأخص مدن الحجاز الذين أعلنوا الثورة المسلحة ضد جنوده.

كانت الحسناء قد بعثت لقصره للتجسس و معرفة ماذا ستضفي  هذه الملاقاة  بين القواد العسكريين لحسم الامر بالبلاد المنكوبة، فتنكرت على هيءة عسكرية بالنيابة في ظل غياب أحدهم. تسللت بين الزعماء و أخذت مكانا بينهم، و بينما هم يتشاورون عن الخطة العسكرية التي ستمكنهم من القضاء على الثائرين  ضد الحكم العثماني، استأذنت للخروج، ثم لم ترجع.ض عندها تفطن الباشا بأنه جاسوس تسلل بيتهم، فاعلنت صفارات التنيبه بالقصر لتعقب أثره.

أما هي، فقد صعدت جناح الحريم و غيرت ملابسها و جلست بينهم كأن لم يحدث أي شيء يذكر، أما المتابعة فقد دامت اليوم كله، و لم يسمح لأي أحد من الدخول أو الخروج من القصر حتى يتمكنوا من معرفة الشخص المتخفي، فخافت أن ينكشف أمرها، فقامت بتدبير خطة جديدة للتمكن من خروج القصر.

كانت زوجة الملك حبلى و على وشك وضع مولود جديد، و إذ جاءها المخاض في تلك الليلة تماما، علما  بأن السنيورة قد دخلت قصر الباشا على أساس أنها قابلتها، و عند اللحظة المواتية دخلت غرفة الملكة و قامت بتوليدها بسهولة، فانجبت ذكرا يشع نورا، و حينها كان الباشا يترقب بلهفة ولادة ابنه فقال: يا رب، اشكرك على ما منحتني من خلف، و على هذه النعمة التي لم انتظرها قط،مع كل الظنك الذي يحيط بي ها هنا! فقالت الداية: إن الطفل قد اصابته علة و يجب أن يعالج عند الحكيم بالقرية المجاورة، و المعالج عاجز عن الحركة و يتطلب الانتقال حتى بيته لاسعاف الولد، فقبل الملك هذا العذر و وافق على تنقل طفله لغرض الشفاء هناك، و اثناءها قامت بتغيير الولد بآخر حديث الولادة يقال أنه أحد ابناء أمير بالحجاز.

و بعد كل الأحداث التي جرت اياميها و انقسام الدولة العثمانية، شب الولد و صار قاءدا محنكا لبلاد العرب، الذين أبلوا بلاءا جيدا في كل المعارك ،كما تمكنوا من استرداد حريتهم من الدولة العثمانية. 

و نصب القائد الملقب أتاتورك ملكا حاميا للعثمانيين، و كان يمقت العرب رغم أنه ترعرع بينهم، و ذاق من زادهم. فما تقولين من هذا الحديث؟

فأقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، إنها عقلية الذئاب التي تربى بين القطعان،و لكن تغدر بها لما يرحل راعيها و يا للأسف. الإنسان أسمى من ذلك و الحر لا ينكر جميل صاحبه مهما حصل.

Recommended1 إعجاب واحدنشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

جدارية لمحمود درويش

هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى…

تعليقات