الشِّعْرُ يُثَوِّرُ الشِّعْر
فِي ليلةٍ مِنْ ليالي جازان الخريفيَّة ..
كنتُ أستمعُ -أثناء قضاء مشاويري- لمقطعٍ عنِ الشُّعراءِ الصَّعاليك، وإذا بالمُتحدِّثِ يُنشدُ قصيدةً لعمرو بن برَّاقة مطلعها:
تَقُوْلُ سُلَيْمَىٰ: لَا تَعَرَّضْ لِتَلْفَةٍ
ولَيْلُكَ عَنْ لَيْلِ الصَّعَالِيْكِ نَائِمُ
فطربتُ لها طرباً عجيباً، وما زالَ صدىٰ “تقولُ سُليمىٰ” يطاردُني سائرَ اليوم، حتَّىٰ أويتُ إلىٰ فراشي وإذا بها قَدْ أرَّقتْ ليلي وأقلقتْ منامي، وتعلمونَ يا أحبَّة أنَّ (الشِّعْرَ يُثَوِّرُ الشِّعْر) فنظرتُ إلىٰ السّّقفِ وأنشأتُ أقول:
تَقُوْلُ سُلَيْمَىٰ يَوْمَ ضَرْبِ النَّجَائِبِ
ويَوْمَ صَلَيْلِ البِّيْضِ بَيْنَ الكَتَائِبِ
تَقُوْلُ: أرَاكَ الدَّهْرَ مَا زِلْتَ أصْلَعَا
فقُلْتُ لَهَا: لَيْسَ التُّقَىٰ بالذَّوَائِبِ
فقَالَتْ: ومَا يُبْقِيْكَ يَا شَهْمُ أصْلَعَا ؟
فقُلْتُ لَهَا: ضَرْبٌ بيَوْمِ المَصَائِبِ
تَطِيْرُ لَهُ رُوْسُ الرِّجَالِ وتَرْتَمِي
عَلَىٰ الأرْضِ مِنْهَا مُحْكَمَاتُ العَصَائبِ
فقَالَتْ -وعَضَّتْ بالجُمَانِ بَنَانَهَا- :
وذَلِكَ عِنْدِي مِنْ عَجِيْبِ العَجَائِبِ !
وعندما أنشدتُ هذهِ الأبيات، ظننتْ أنَّ ما في صدري انقضىٰ، فجئتُ لأنام وإذا بهاجسِ الشِّعرِ يقظان كأنَّهُ شيطان، يقولُ: يا أبا شامي، إنَّ وراءكَ لليلٌ طويلٌ حتَّىٰ تنام، كيف تصنعُ بهذا الشَّطر: (لَقَدْ قَرَءُوا عَلَيْكَ رُقَىً وقَالُوا) ؟ وكنتُ مُضطجعاً فنهضتُ وأطرقتُ هُنيهةً ثُمَّ قلت:
بنَظْرَةِ شَادِنٍ خَطَرَتْ تَّبَاهَىٰ
رُمِيْتُ، وكِدْتُ أهَلَكُ مِنْ حَلَاهَا
لَقَدْ قَرَءُوا عَلَيَّ رُقَىً وقَالُوا:
سَتَبْرَأُ يَا مُعَذَّبُ مِنْ هَوَاهَا
فقُلْتُ لَهُمْ: دَعُوْنِي لَسْتُ أبْرَا
لَقَدْ بَلَغَتْ بقَلْبِي مُنْتَهَاهَا
فقَالُوا: هَلْ يَئِسْتَ؟ فقُلْتُ: كَلَّا
دُوَائِي فِي العِنَاقِ وفِي لِقَاهَا
لَعَلَّ لِقَاءَهَا يَشْفِي غَلِيْلِي
ويَشْفِي غُلَّتِي تَقْبِيْلُ فَاهَا
فقَالُوا: لَسْتَ تَبْرَأُ، قُلْتُ: سِيْرُوا
بنَعْشِي يَوْمَ مَوْتِي فِي فِنَاهَا
دَعُوْا نَعْشِي (بِكَابَتِهَا) وقُوْلُوا:
شَهِيْدُ الحُبِّ هَامَ بِكُمْ وتَاهَا
فإنْ جَزِعَتْ فذَاكَ عَزَاءُ مَوْتِي
وإنْ دَمَعَتْ فغُسْلِي مِنْ بُكَاهَا
وإنْ شَقَّتْ عَلَيَّ الجَيْبَ قُوْلُوا:
نُكَفِّنُهُ بثَوْبِكِ إنْ تَنَاهَا
قُوْلُوا: رُوْحُهُ زُهِقَتْ فِدَاكِ
فرُوْحِي لَمْ تَكُنْ إلَّا فِدَاهَا
فما انتهيتُ مِنْ إنشادِ هذهِ الأبيات حتَّىٰ سمعتُ هاجسي يناديني ويقول: إيهٍ يا ابنَ شامي، نَمِ الآنْ رحمةُ اللهِ عليكَ وبركاته.
#العتيق ؛ علي بن شامي.
Recommended2 إعجاباننشرت في مشاركات الأعضاء
تعليقات