أبجديات شعرية عاطفية!  2

فهؤلاء على إعزازهم حرصُوا

ومِن حظوظ هوى نفوسهم خلصُوا

وضمّنوا الشعرَ آياتٍ تجمّله

وللأحاديث – في أبياته – حِصص

وخللوهُ أقاصيصاً مُحققة

ما الشعرُ إن غابت الآيات والقِصص؟!

وزركشوه بأمثال غدتْ حِكَماً

ولم تمِله عن الإجادة الغصص

لم يُرخصوه لشار لا يُثمّنه

ما الشعر إن غاله التزهيدُ والرِّخص؟!

فهؤلاء – على إجلاله – دَرَجوا

خاب المزادُ ومَن زادوا ومَن نقصوا!

إن القصائد إن هانت فقد وئدتْ

والأمرُ ليس – على الكِرام – يختبص

إما قصائدُ عَزتْ لا عَوارَ بها

ولا عُيوبَ ولا سُوآى ولا رُخَص

أو النكوص عن الكتابة اقتصرتْ

على الهُراء ، فأنعِم بالألى نكصوا!

لا للتغني بنص لا رشادَ به

وضلّ قومٌ على أنغامه رقصوا

وللظهور عُتاة بالعُروض رضُوا

فهل يُفيد الهوى ، أو ينفعُ العَرَضُ؟

حازوا الصدارة بالبهتان في زمن

لأغلب الشعر مِن تأليفه غرض

يُرغِي ويُزبدُ إن زادت دراهمُه

وأهله يُبدعون – الدهرَ – إن قبضوا

ألا تراهم – بذا التلميع – قد قبلوا

واستُدرجوا فاستساغوا الضيمَ ما رفضوا؟

وعصبة السوء خصُّوهم بما ادخروا

من البرامج فيها الدس والحرض

وأغدقوا عاطر الألقاب تشفية

فيمن – على منهج التزلف – اعترضوا

وقدموهم – إلى التلفاز – كبش فدا

والمال – للشعر والمستشعر – العِوَض

إن التزلف – للإجرام – منزلقٌ

إليه يدلف مَن في قلبه مرض

لا يَشتري المالُ إلا شاعراً عفناً

مِن الذين – إلى أهل الغنى – ركضوا

حتى يقول الذي يرجوه سيدهُ

ولا يقول: أنا قد مسّني المَضض

طاب القريضُ – بشرع الله – ينضبطُ

فلا يُعكّره غبنٌ ولا شططُ

فإن نأى عن هُدى الإسلام ضاق به

عبدٌ جوارحُه – بالشرع – ترتبط

وكم كتبتُ ، وأشعاري مدونة

ودمعُ خاطرها – بالصبر – مُختلط!

أبكي على أمتي كيف استهان بها

عدوّ مِلتِها والساسة السطط؟

وكيف أضحتْ غثاءً لا اعتدادَ به

وجيلها في بقاع الأرض منبسط؟

مِليارها اليومَ لا وزنٌ ولا ثقة

والسيفُ فيهم برغم الأنف مخترط!

وخيرُها – في بلاد الكون – منتشرٌ

ويَطمعُ الكلُ فيها: الفرسُ والنبَط

والشعرُ يَرثي لها ، واللفظ مُستعرٌ

يشكو الجراحَ ، ويكوي حُسنه الحَبَط

ويُسخِط الشعرَ ما يلقاه مِن مِحن

فهل يزيل العنا البكاءُ والسَخط؟

كم من قريض – على الأمجاد – يبكيْ دماً

وآخرٍ – لفساد الناس – يغتبط!

لا يُحسِن الشعرَ إلا نابهٌ يَقِظُ

مِن المواقفِ والأغيار يَتعظ

وسامعوه لهم حَسٌ – به – عُرفوا

أما الرواة فمِن ظرف الصدى حفظوا

والمُعجبون بشعر الحق شرذمة

مِن الخِيار إذا لقُوا الورى وعظوا

لا يجهلون على مَن نالهم بأذىً

فليس – فِي طبعهم – طيشٌ ولا غِلظ

ولا يُدَانَوْن في لِين ولا أدب

بل كلَّ مَنقصة تُزري بهم لفظوا

يُرَجّعون – مِن الأشعار – أجودَها

وإن أبى البعضُ ما قالوه ، أو لمظوا

وجيّدُ الشعر مقبولٌ ومحترمٌ

يُصغي إليه اللبيبُ المُخبِتُ اليَقِظ

مُقوماتُ البقا تضفي عليه بَها

وبالثبات مَدى الأيام يحتفظ

والناسجون على مِنواله كُثرٌ

وإن يَعُقهم – عن الإجادة – النكظ

وإنْ غواة رمَوْا – بالجهل – دُربتهم

تعقبوا فرقة ، وفرقة عكظوا

كيْلا تغرّهمُ الراياتُ والشيعُ

ولا الأباطيلُ صاغوها ولا البدعُ

إن التمحّك مرهونٌ بخيبته

ولا تراه إذا ما انضام يَرتدع

والشعرُ يشكو- مِن القراء – جفوتهم

إذ لم تعد صفوة تأسى وتطلع

بل هجرة فرضتْ على قصائده

وأهلها العِيرُ- في تمريرها – برعوا

واستسهل الناسُ ما أيديهمُ كتبتْ

مِن العزيف الذي – في نظمه – اندفعوا

وهاجم القومُ شِعرَ العُرب ، بُغيتهم

هدمُ القديم ، وشِعراً حُراً ابتدعوا!

وألبسوه مِن الأوزان ما اخترعوا

وشدّهم – نحوه – الإعجابُ والولع!

وأطربوا الغربَ مَن أعمى بصائرهم

لأنهم – للذي يهذي به – استمعوا

وأكبروه على التخطيط حاق بهم

وبئس ما أحدثوا! وبئس ما صنعوا!

هم حرّروا الشعرَ مِن وزن وقافيةٍ

والغربُ مدرسة ، وهم له تبَع!

وفي التحايُل والتضليل هم نبغوا

بألسُن قادها – في الفتنة – اللثغ

والضادُ – مما ادّعَوْا جهارة – برئتْ

لأنهم – بالذي تعشّقوا – اصطبغوا

وراهنَ الكلُ مُحتالاً على لغةٍ

في عَرضها كلّ أرباب الشقا ولغوا

والمُغرضون اعتدَوْا على شرافتها

ويعلم اللهُ ما عُتاتُهم بلغوا

والشعرُ نال مِن العداوان أعنفه

والنحو جندله – في المحنة – الوتغ

والصرفُ خُصّ بتسفيهٍ وسفسطةٍ

ولا يزال يني ، فالقوم ما فرغوا

وبالبلاغة مَسٌ مِن جهالتهم

إذ بالركاكة هم إن حدّثوا صُبغوا

وللأساطين مِن أنصارها جلبٌ

ضد الألى – بين أهل الضاد – كم نزغوا

حتى يُعيدوا – إلى الفصحى – نضارتها

مِن بعد ما غيّبتْ نقاءَها الزرع

هم الأسودُ لهم زئيرُ خندمةٍ

فهل تخيفُ – أسودَ الغيضة – الوزغ؟

وإن للضاد أنصاراً بها شغفوا

وكل هاوٍ لها حقاً له الشرفُ

بها الكِتابُ مليكُ الناس أنزله

والناطقون بها بمجدهم عُرفوا

وبين شتى اللغا لها مكانتها

حتى الأعادي بسامي فضلها اعترفوا

وسَلْ (عُكاظاً وذا المجاز) عن خبر

فيه النزاهة والإنصاف والثقف

يُنبيك أن – لدى الفصحى – شروط بقا

وأنها عن لغات الناس تختلف

مُقوماتُ لسانِ الضاد نابضة

ومِن جنائنها الورودُ تقتطف

وكم تأبّتْ – على التغريب – صامدة!

فالضادُ ليست – مع التيار – تنجرف

واسألْ بنيها ومَن مِن نبعها نهلوا

هل استكانت لمن يبغي ويعتسف؟

وهل ألانتْ – للاستشراق – جانبها؟

أو أذعنتْ لأناس – جهرة – خرفوا؟

بل أثبتتْ – لأعاديها – جدارتها

جدارة تجعل التنويرَ يرتجف

محاولاتُ أولي التغريب تستبقُ

والضاد تفضحُ ما شادوا وما اختلقوا

يُشككون ، فهل أجدتْ مطاعنهم؟

وهل صحيحُ الحِجا – في قولهم – يثق؟

ويَذبحون لسان الضاد صبحَ مسا

وفي النزال سيوفُ الغدر تُمتشق

وفي مَرابعنا – لهم – دَجاجلة

إلى الحضيض الذي- دَعَوْا له – انزلقوا

مِن الرقيع غزا النشاذ منطقهُ

يُردّد – اليوم – ما به العِدا نعِقوا

ومِن سفيهٍ يقول: الضاد قد هَرمتْ

والإنجليزيّة الشهباءُ تأتلق

والإمّعاتُ – على الدروب – دون هُدىً

يُكرّرون ، ولو جَدّوا لمَا نطقوا

والضادُ في وجه كلٍّ كالمنار بدا

يَهدي الحيارى ، كمثل البدر يتسق

وقد تُعاجلُ مَن يُدمي شبيبتها

بطعنةٍ – مِن صداها – يَذهبُ النزق

يَخزى الجميعُ ، وتبقى الضاد شامخة

كالطود إذ يحتفي – ببأسه – الأفق

والضاد مملكة ، وشعرُها المَلِكُ

وجُندُها ضمّهم – للذود – مُعترَكُ

والشعر كم زاد عن فصحاه دون ونىً

وكفّ لمّا رأى أعداءَها هلكوا!

وللقصائد فحواها وقِيمتها

والمُنشدون لهم – في طرحها – نسك

والشعرُ بالخُلق العظيم مُلتزمٌ

كالنجم يَحكمُه – في دَوْره – الفلك

ينالُ مِن زمَر العادين مُدّرعاً

بالحق ، ثم يَفلُ ما حبكوا

فتارة ينبري – كالبرق – يصعقهم

وفي التشفي من الناجين ينهمك

وتارة كسِراج في توقدِهِ

يفرّ مِن نوره إن أشرقَ الحَلك

أو كالخضمّ إذا أمواجُه هدَرتْ

فهل تُضاهي الخضمَ الهادرَ البرَك؟

وتارة مثل حوتٍ في الخليج إذا

ما هاج زاغتْ دوابُ البحر والسمك

وهكذا الشعرُ إمّا خاض معركة

ضد الذين – مع الفصحى – قد اشتبكوا

وشعرُ (حسان) – في تاريخنا – المَثلُ

وشعرُ (كعب) – به – الأيامُ تحتفلُ

(وابن الرواحة) – في أشعاره – قِيَمٌ

على الفضائل والأخلاق تشتمل

همُ العباقرة الأفذاذ تحسَبُهم

حازوا المناقبَ ، نعم السادة الُأوَل!

إنا ضيوفٌ على أشهى موائدهم

عزّ المُضيفُ ، وطاب الشربُ والأكُل!

نختار ما نشتهي مِن شِعر جمهرةٍ

همُ الأجاويدُ يُعطون الذي سُئلوا

نحن المَدينون فعلاً بالكثير لهم

وإنْ يكن – بيننا – تباعدَ الأجل

أشعارُهم مَنهلٌ عذبٌ لوارده

وشِعرُ مَن دونهم – للوارد – الوَشَل

ذادوا عن الدين فانساق البيانُ لهم

طوْعاً ، وناولهم كلّ الذي أملوا

والشعرُ هَشّ لهم ، وبَشّ محتفياً

بخير مَن أسلموا ، وخير مَن عملوا

وكان رائدَهم في كل ملحمةٍ

فبعضَه ارتجزوا ، وبعضَه ارتجلوا

الشعرُ – للشاعر الصدوق – مغتنمُ

يأوي إليه إذا ما طمّتِ النِقمُ

يبث نجواهُ للسلوى بلا قلق

فالسر حتماً – لدى القريض – مُنكتِم

إمّا خلا شاعرٌ بالشعر باحَ لهُ

بما يُعانيه ، والدموعُ تنسجم

والشعرُ مُنتصتٌ لمَا يُقال لهُ

حتى يكُفّ – عن القول الشجين – فم

ولا يُقاطعُ – بالشكوى – مُحدثهُ

وإن يكن كاتباً ، فالفيصلُ القلم

يُسَطر الألمَ المُلتاعَ مُحتملاً

ناراً – بقلب نديم الشعر – تضطرم

يَصوغ مِحنته شعراً تنوءُ به

بيضُ الرقاع ، بها الأشعارُ تبتسم

وقد يفاجأ – بالنسيان – صاحبُها

كأنما ودّعت فؤادَها الغمم

لكنْ صحائفه بالشعر مُترعة

واللونُ قان ، فهل حِبرُ اليراع دم؟

أم أنها اختضبتْ بما يُصارعُه

في العيش مِن غُصص خضابُها العَنم؟

والشعرُ سيفٌ به تستأصلُ الفتنُ

فكم أبيدتْ بنص قاطع مِحَنُ!

وكم به حصدتْ هاماتُ مَن جحدوا!

فما – عليها – بكتْ قرىً ولا مُدن

وكم شكوكٍ ببيتٍ واحدٍ قطعتْ!

وقبلُ كان – بها – الأقوامُ تفتتن

وكم قضايا رأيتُ الشعرَ يحسِمُها!

كأنه حَكَمٌ مستبصرٌ فطن

وكم غرامٍ رأيت الشعر يوقده!

سِراً ، ونارُ الهوى يُديلها العلن

وكم خلافٍ رأيتُ الشعرَ يَمحقه!

فلا تكون خلافاتٌ ولا شجن

وكم شِجار رأيتُ الشعرَ يسحقه!

فلا يكون له – بين الورى – وطن

وكم بلاءٍ رأيت الشعر يدفعُه!

فتنزوي إزمٌ ، وتنجلي إحَن

وكم عذاباتٍ القريضُ يُبْدِلها

إلى نعيم ، ويمضي الضنكُ والوهن!

وكم مصاب قريضي العذبُ جندله

لأن شعري – إلى الإسلام – يرتكن

فكم نأيتُ به عن درب مَن سفهوا

فلم يَشُبه هوىً يُزري ولا عَمَهُ!

ولم أسَخّره في ترويج مفسدةٍ

شأنَ الذين إلى إفلاسهم أبهوا

ولم يكونوا سوى خدام شهوتهم

مِن بعد أن جرّهم – للباطل – الشرَه

ولم أطوّعه – للطاغوت – منتظراً

نواله ، إنما تطويعُه البَله

ولم أسَطرْه في أوصاف غانيةٍ

يشدّني نحوها الغرامُ والوَله

ولم أضمّنه ما يندى الجبينُ لهُ

مثل الذين طغى عليهمُ السفه

ولم أجاملْ به قوماً لسَطوتهم

أخافُ أو أتقي يوماً إذا انتبهوا

ولم أشبّبْ بليلى أو بشاديةٍ

ككل صرعى إلى حُسن النسا نبهوا

ولم أردْ شهرة على حساب تقىً

إني لآخرتي – والله – منتبه

ولم أسخّره في ترويج مفسدةٍ

شأنَ الذين – إلى إفلاسهم – أبهوا

وبُغيتي عند ربي الصفحُ والعفوُ

بما كتبتُ ، وهذا القصدُ والرجوُ

ليغفر الله ذنباً كنتُ فاعله

حتى يصادفني المَفاز والنجو

كم من خطايا رأيت البغي أولها!

وكم تملكني التفريط واللغو!

وكم ضعفتُ أمام النفس ما فتئت

تعصى ويجذبها العِصيانُ واللهو!

والقلبُ تأفِكُه أطلال غفلته

وتستبدّ – به – الآمالُ والغفو

وجاء شعري- من الرحمن – موهبة

فطاب لي – رغم ضنك العيشة – الشدو

وكان لي واحة في قيظ تجربتي

ومُر عيشي – بما سطرته – حُلو

وبُحتُ بالسر للأشعار أجعلها

صديقَ وُدٍ ، له – في مُهجتي – شأو

وسائلوا مُلح (الديوان) كم حفظتْ

مِن الودائع إذ خلا لها الجو؟!

وما ندمتُ – على الأشعار – بُحتُ بها!

قصائدي السعدُ والأفراحُ والصفو

والشعر إن لم يُدوّنْ عاجلاً ظبيُ

يطوي الفلاة ، وطبعٌ في الظِبا الجريُ

فإن تعقبه القناصُ أوقعه

وخيرُ حَل له – في الغابة – السبي

وكم قصائدَ لم تكتبْ ، لذا فقِدتْ

ونالها الوأدُ والتضييعُ والطي!

فإن دنتْ فكرة أعرتها قلمي

ورقعة قد جفا سطورَها الوَشْي

ورحتُ أسْطر فحواها على عجل

ولم يعُق همتي يأسٌ ولا لأي

وأحبس الشعرَ في القرطاس منشرحاً

والحذفُ يبدأ والإثباتُ والنفي

فإن فعلتُ أسرتُ الشعرَ في صفدي

وإن تركتُ مضى ، وانتابني العي

هِيَ القصائدُ تيجانٌ تُجَمّلني

يَزينهن السنا والدُرّ والحَلي

هُن اليواقيتُ في ظلماء عيشتنا

وهن – في القيظ – إنْ عمّ الدنا الفي

وسوف أنشرُ أشعاري وتجربتي

إذ كل نص به – للقارئ – الهَدْي

Recommend0 هل أعجبك؟نشرت في مشاركات الأعضاء

قد يعجبك أيضاً

تعليقات